صاحب الغبطة يوسف

كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث الكلِّيِّ الطُّوبى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم للرُّوم الملكيين الكاثوليك

١٤ ٩ ٢٠١٢



  الربوة في 14/9/2012



كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث الكلِّيِّ الطُّوبى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيين الكاثوليك



في استقبال قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر
في بازيليك القدِّيس بولس _ حريصا _ 14 أيلول 2012
في حفلة توقيع الإرشاد الرَّسولي



صاحب القداسة

أهلاً وسهلاً بكم! Herzlich Willkommen
في الشرق، في لبنان، في بيروت! في كنيسة لبنان الواحدة بجميع تراثاتها الرُّوحيَّة، في لبنان بجميع طوائفه المسيحيَّة والإسلاميَّة! في كنيسة الرُّوم الملكيين الكاثوليك، وفي كنيسة القدِّيس بولس! وهي كنيسة جمعيَّة الآباء المرسلين البولسيين.

أرحِّب بكم باسم مجلس البطاركة والمطارنة الكاثوليك الشرقيين، الذين ذهبوا من الشرق الأوسط إلى روما بدعوةٍ كريمةٍ من قداستكم إلى السِّينودس لأجل الشرق الأوسط الذي هو علامة محبَّتكم ورعايتكم...
إنَّكم تحملون رسالةً إلى "لبنان الرِّسالة" كما دعاه سلفكم الطُّوباوي البابا يوحنَّا بولس الثاني حبيب لبنان والبلاد العربيَّة وحبيب العالم.


صاحب القداسة المحبوب!

من الشرق يأتي النُّور (Ex Oriente Lux). ومن الشرق انطلق النُّور إلى الغرب حاملاً له رسالة يسوع النُّور الذي ينيرُ كلَّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم (يوحنا 1: 9).

واليوم تحملون إلينا نور الشرق (Orientale lumen) من خلال إرشادكم الرَّسولي. وكما قال يسوع لبطرس صفيِّه: "وأنت متى رجعت فثبِّت إخوتك"(لوقا 22: 32)، أنتم الآن أتيتم تثبِّتون رعاة كنيسة الشرق بمحبَّتكم. ونحن نقبل هذا الإرشاد بحبٍّ وشوقٍ وشكر. ونريد من خلال ذلك أن نثبِّت بدورنا إيمان قداستكم وإيمان إخوتنا الأحبَّاء في الغرب.

إنَّكم توقِّعون هذا الإرشاد الرَّسوليّ في لبنان. ولكنَّه موجَّهٌ إلى الكنيسة في الشرق الأوسط. لا بل هو في محتواه وغايته موجَّهٌ إلى المشرق العربيّ بأسره انطلاقًا من لبنان. إنَّه إرشادٌ رسوليٌّ للمسيحيين في لبنان والشرق العربي. ويتعدَّاهم إذ إنَّه ضروريّ لأجل إيضاح معنى وجودهم، ودورهم ورسالتهم وخدمتهم وشهادتهم في العالم العربيّ ذي الأغلبيَّة المسلمة. وتُختصر هذه الرِّسالة بأن يكونوا نورًا وملحًا وخميرةً، ويعرفوا أنَّهم القطيع الصَّغير الذي لا يخاف ولا يرهب ولا يتراجع أمام دوره الكبير.

إنَّ جوهر الإرشاد الرَّسوليّ هو شعار: شركة وشهادة. أعني وحدةً في الدَّاخل لأجل شهادةٍ في الخارج. إنَّه شعارٌ مسيحيّ. ولكنَّه أيضًا شعارٌ مسيحي _ إسلامي، لأنَّه شعارٌ يجب أن يُعاش بتفاعلٍ وتواصلٍ مع أطياف هذه المنطقة وطوائفها. لا بل من الضروري أن يُعاش على مستوى العالم العربي.


صاحب القداسة!

لقد اهتمَّ السِّينودس لأجل الشرق الأوسط اهتمامًا مميَّزًا بقضيَّةٍ لها تأثيرٌ كبير على الكنيسة في الشرق العربي ألا وهي القضيَّة الفلسطينيَّة.

إنَّنا نشكر موقف الفاتيكان والبابوات الثابت على مرِّ السِّنين تجاه هذه القضيَّة.إن هذا الموقف الثابت هو عملُ حقٍّ وعدلٍ وعدالة، يحتاج إليه عالمنا اليوم الذي تكثر فيه المظالم السِّياسيَّة! وهكذا يبقى الفاتيكان رائدَ العدالة العالميَّة. مع العلم أنَّ حلَّ الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي العربي كفيلٌ بأن يحلَّ مشاكل العالم العربي الأكثر تعقيدًا. وهو كفيلٌ أيضًا وخصوصًا بلجم هجرة المسيحيين، وتثبيت وجودهم في الشرق مهد المسيحيَّة، ليتابعوا فيه مسيرتهم التاريخيَّة ودورهم ورسالتهم، جنبًا إلى جنب ويدًا بيد مع إخوتهم ومواطنيهم المسلمين من جميع الطَّوائف، لكي تكون للجميع الحياةُ وتكونَ لهم أوفرَ (يوحنا 10: 10)، وأكثرَ حرِّيَّةً وكرامةً وعدالةً وسعادةً وانفتاحًا وتطوُّرًا وازدهارًا.

الاعتراف بفلسطين هو أثمن هديَّة تُقدَّم للمشرق العربي بجميع طوائفه مسيحيين ومسلمين. وهذا ما يضمَنُ تحقيقَ أهدافِ السِّينودس لأجل الشرق الأوسط، وأهدافِ الإرشاد الرَّسولي الذي نشكركم عليه. هذا الاعتراف يمهِّد لربيعٍ عربيٍّ حقيقيّ، ولديموقراطيّةٍ حقيقيّة، ولثورةٍ قادرةٍ أن تغيّرَ وجه العالم العربي، وتؤمِّنَ السلام للأرض المقدّسة وللشرق الأوسط والعالم.


قداسة البابا!

ويطيب لنا في هذه المناسبة المباركة أن نعلن هنا كلُّنا معًا وأنا بصفتي بطريرك كنيسة الرُّوم الملكيين الكاثوليك، يطيب لنا أن نؤكِّد على شركتنا الكاملة الثابتة الدَّائمة معكم ومع كنيسة روما المتصدِّرةِ بالمحبَّة.

العالم بحاجة إلى البابا، (كما أكَّدته في وثيقة قدَّمتها إلى قداستكم أثناء السِّينودس لأجل الشرق الأوسط). بحاجة إلى الوحدة، إلى كنيسة قويَّة متماسكة (Chiesa forte e coherente)، قادرة أن تحمل إلى العالم قيَم بشرى الإنجيل المتجدِّدة، التي عبَّرتم عنها في رسائلكم حول الفضائل الثلاثة، وهي: قيَم محبَّة الله (Deus Caritas est)، قيَم الرَّجاء (Spe salvi)، والإيمان في الحقيقة (Caritas in Veritate).

العالم بحاجة إلى كنيسة تتنفَّس برئتَين، بكلِّ حيويَّتها... لكي يبقى الإيمان نقيًّا، صافيًا، جميلاً، متجدِّدًا في العالم من خلالها، ولكي يؤمن العالم، ولكي تعمَّ فيه حضارة الإيمان والرَّجاء والمحبَّة... حضارةُ الله في أرض البشر!


صاحب القداسة!

وأخيرًا نرفع لأجلكم يا قداسة البابا الدُّعاء الذي نرفعه كلَّ يومٍ في هذه الكنيسة، ويرفعه البطريرك والأساقفة والكهنة في كلِّ كنائس الرُّوم الكاثوليك في العالم:

"أذكر يا ربّ أوَّلاً أبانا قداسة الحبر الرُّوماني بندكتوس بابا روما الطُّوباوي، وأنعم على كنائسك المقدَّسة أن يكون في سلامٍ، صحيحًا مكرَّمًا معافًى مديد الأيَّام مفصِّلاً بإحكامٍ كلمة حقِّك".

شكرنا الكبير لزيارتكم!
شكرنا الكبير للإرشاد الرَّسولي!
شكرنا الكبير لمحبَّتكم!
ونقول لكم: إنَّنا نُحبُّكم!
وإلى سنين كثيرة يا سيِّد
Ad Multos Annos
Eis Pola Eti! Despota
Auf viele Jahre !
وأهلاً وسهلاً بكم!


 

+ البطريرك غريغوريوس الثالث