صاحب الغبطة يوسف
كلمة غبطة البطريرك بمناسبة مرور 150 سنة على تأسيس جمعيَّة مار منصور الخيريَّة في دمشق
بروتوكول 456/2013 د
دمشق في 29/9/2013
كلمة غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث الكلِّيِّ الطُّوبى
بمناسبة مرور 150 سنة على تأسيس
جمعيَّة مار منصور الخيريَّة في دمشق
"اعترفوا للربّ فإنَّه صالحٌ لأنَّ إلى الأبد رحمته هللويا".
نشكر الله على تاريخ جمعيَّة مار منصور، تاريخ طويل: مئة وخمسون سنة! تاريخٌ مجيد! تاريخُ عطاءٍ ومحبةٍ وخدمة! تاريخُ كرمِ وسخاءِ أجدادنا! أبناء وبنات هذه المدينة دمشق، مدينة القدّيس بولس الذي يمكن أن نعتبره من مؤسِّسي الجمعيَّات الخيريَّة في المسيحيَّة، وكان يهتم بجمع التقاوم لفقراء القدس!
وتأسيس جمعيَّة مار منصور في دمشق قبل 150 سنة هو علامة أصالة الحياة المسيحيَّة في دمشق. لأنَّ الفقراء كانوا أحبَّاء يسوع. وكان الفقراء والمرضى والمهمَّشون والأصاغر هم موضوع عجائبة وعطفه وحنانه. والكنيسة على مدى أجيالها تميَّزت بخدمة الفقراء والمرضى والمنبوذين.
وهذا تاريخ جمعيَّة مار منصور شاهدٌ على أصالة خط الكنيسة الدمشقيَّة. وقد دُعي أحد مؤسِّسيها قبل 150 سنة "أبو الفقراء" وهو الطيّب المذكر وصاحب صيت القداسة جرجي بيطار الدمشقي. الذي أحبَّ الفقراء واخترع فنَّ الموزاييك الدمشقي ليوفِّر ظروف وفرص عمل لأبناء دمشق. وهذه هي السياسة الاجتماعيَّة الفضلى: أن نساعد الإنسان لكي يساعد نفسه! السمكة والصنارة...
ويوافق هذا العام مرور 200 سنة على ميلاد الطوباوي فردريك اوزنام مؤسِّس جمعيَّة مار منصور في فرنسا – باريس.
نقدِّم باسمي وباسم أخي صاحب السيادة وباسم مطارنة ورعاة دمشق من كلّ الطوائف التهاني لهذه الجمعيَّة المباركة، لإدارتها وأعضائها، ونذكر كلّ من تعاقب على إدارتها في المئة وخمسين سنة! ونشكر الآلاف من المحسنين والمحسنات الذين عملوا على تمويل خدمات الجمعيَّة، وللفقراء إخوتنا في البشريَّة! ونشكر الجمعيَّة باسم الآلاف المؤّلفة من الفقراء والمرضى والمحرومين والمعتَّرين الذين أفادوا من خدمات هذه الجمعيَّة.
ونعرف أنَّهم ينشطون الآن لتكثيف خدمات الجمعيَّة في الظروف المأساويَّة الراهنة، والأزمة الكونيَّة التي يمرّ بها وطننا الحبيب سورية. الجمعيَّة تبذل أقصى جهودها لتخفيف معاناة النازحين الذين هُجِّروا وهَجروا جراء الأعمال الإجراميَّة التي تقوم بها الجماعات المسلَّحة، والتي قد تسبَّبت في تشتيت حوالي 8 ملايين سوري داخل سورية وخارجها (ونذكر معلولا).
شكرًا للجمعيَّة المحبوبة! مبروك! وإلى الأمام! ونشكر وزارة الشؤون الاجتماعيَّة مع هذه الجمعيَّة والجمعيَّات الخيريَّة عمومًا. وقد تميَّز هذا التعاون بأداء الوزيرة المميَّزة ذات الحسّ الاجتماعي والوعي الوطني والانفتاح والرؤية الاجتماعيَّة الرائدة السيِّدة كندا الشمَّاط المحترمة، شكري لها لحضورها معنا في هذه الصلاة.
ونحبّ أن نؤكِّد وقوفنا كلّنا، اللجنة الخيريَّة كاريتاس والجمعيَّات الخيريَّة والرعايا والكنائس كلّها، نؤكِّد وقوفنا مع شعبنا في معاناته القاسية جدًا. وفي البطريركيَّة هنا نبذل قصارى جهودنا للمساعدة في اللجنة التي يرأسها حضرة الأب ماهر منصور باسمنا شخصيًّا وباسم سيادة المطران عبسي النائب البطريركي وبتعاون جميع كهنة الأبرشيَّة. لا بل أصبحت كلّ كنائسنا ورهبانيَّاتنا وأديارنا لجان مساعدة وخدمة. ونشكر من يدعم خدمتنا هذه في الداخل والخارج.
ونحبّ أن نشكر هنا قداسة البابا فرنسيس الذي دعم سورية كلّها بدعوته التاريخيَّة العالم كلّه مسيحيين ومسلمين إلى الصوم والصلاة يوم السبت 7 أيلول. وأثمرت الصلاة أعجوبة عظيمة: حوَّلت مجرى التاريخ ومجرى الأزمة في سورية من الحرب إلى السلم، ومن الضربة المدمِّرة إلى التوجُّه إلى الحوار وإلى مؤتمر جنيف وإلى السلام بدل السلاح مهما كان نوعه.
سنتابع الصلاة. وستتابع الكنيسة السوريَّة هنا محليًّا، وستتابع الكنائس في العالم أجمع من خلالنا نداءَاتها ومساعيها لأجل إحلال الأمن والأمان والسلام في سورية، فنعود إلى عيشنا السوري الرائد وإلى محبَّتنا لبعضنا البعض مسيحيين ومسلمين، ومسلمين على اختلاف طوائفهم.
ونقول في سورية:
-
يجب أن نبقى معًا ونبني معًا سورية المتجدِّدة.
-
يمكن أن نبقى معًا ونبني معًا سورية المتجدِّدة.
-
نريد أن نبقى معًا ونبني معًا سورية المتجدِّدة.
إنَّ موافقة سورية على تدمير الأسلحة الكيماويَّة أينما وجدت، هو خطوة في بناء سورية المتجدِّدة. ونصلِّي لكي تنتهي المأساة وتنطلق سورية في ورشة شاملة، توفِّر وسائل العيش الكريم والحريَّة والكرامة والمواطنة والحوار وقبول الآخر والعيش المشترك والانفتاح والرؤية الإيمانيَّة المستندة على قِيمنا المقدَّسة مسيحيين ومسلمين من كلّ الطوائف في سورية، وليس إحراق الكنائس والجوامع والأديرة والقتل والإرهاب.
هذا هو المستقبل الواعد الذي يحقِّق أحلام أجيالنا الطالعة الشابَّة، وينعم فيه أبناء الوطن جميعًا، فتكون لهم جميعًا الحياة، وتكون لهم بوفرة كما قال السيِّد المسيح في إنجيلة المقدَّس.
مريم العذراء الأم الحنونة ملجأ المؤمنين ونصرتهم، وفي سورية أقدم مزاراتها ومقاماتها، هي سيِّدة السلام تعيد إلى سورية السلام.
ونقول مع صلواتنا: ولنودع المسيح الإله ذواتنا وبعضنا بعضًا وحياتنا كلّها...
مبروك! وإلى سنين كثيرة يا جمعيَّتنا الحبيبة جمعيَّة مار منصور الدمشقيَّة.
+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيِّين الكاثوليك