صاحب الغبطة يوسف

لماذا التعدّي على دور العبادة؟ ولاسيَّما الكنائس!

٢٢ ١١ ٢٠١٣

                              

       الربوة في 18/11/2013


لماذا التعدّي على دور العبادة؟
ولاسيَّما الكنائس!


تطال الأزمة السوريَّة جميع قطاعات حياة المواطنين. وتزداد يوميًا ضحايا حرب هي كونيَّة. إنَّها حرب على سورية. وما يسمَّى المعارضة لم يعد لها ما كان ربما لها من طابع في بداية الأحداث في 16 آذار 2013.

والبرهان على ذلك هو ما أكدَّه الأخضر الابراهيمي والسيِّد كوفي أنان، ونشرته الصحف الأوروبيَّة بنوعٍ متكرِّر منذ أيلول الماضي، أنَّ هناك ألفي عصابة أجنبية يقاتلون في سورية. وهم من المتطرِّفين والسلفيِّين والتكفيريِّين، الذين يقتلون باسم الإسلام. وهم من الإسلام براء والإسلام منهم براء.

هؤلاء هم الذين تسبَّبوا بأبشع الأعمال وأكثرها وحشيَّة. وقد اقشعرَّت لها الأسماع والأبصار. وعُرضت في شتّى أنواع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة. فجرحتْ شعور كلّ إنسان، طفلٍ، رجلٍ، إمرأة، شيخ...عربي وأجنبي.وهي عَودةٌ إلى العصور الجاهليَّة القاتمة. لابل فاقتها وحشيَّة ولا إنسانيَّة.

وهم هؤلاء الذي تسبَّبوا في هدم دور العبادة، الجوامع والكنائس، والعبث بمحتوياتها من مقدَّسات وأثاث وأوانٍ وأيقونات وتماثيل السيِّد المسيح ومريم العذراء والقدّيسين.

لم تعرف سورية في تاريخها سابقًا أيَّة من هذه الأعمال الإجراميَّة. وعاش المواطنون فيها بتناغم ومودَّة وتعاون وتضامن وشراكة وطنيَّة، مسيحيَّة وإسلاميَّة، أصبحت حقًا نموذجًا عربيًا وعالميًا.

ونتساءَل أمام هذه الأعمال، ونوجِّه السؤال إلى هؤلاء الذين يقومون بها، ونذكِّرهم ببشريَّتهم وأنَّهم خلقوا على صورة الله ومثاله، ولهم كرامة أمام الله، ونحن نعترف لهم بهذا الأمر، وهو مشترك بيننا جميعًا... نتساءَل ونسألهم: لماذا يقومون بهذه الأعمال؟ لماذا يهدمون الجوامع، ولاسيَّما كنائسنا نحن المسيحيين؟ إنَّهم يعرفون حقًا أنَّ كنائسنا مدارس سلام، ومؤسَّساتنا ميادين خدمة وعطاء، ونحن في سورية لا حزب ديني لنا ولا حقد في قلوبنا ولا كراهية تجاه أحد. بل نحن دعاة سلام ومحبَّة وعيش مشترك وتضامن ومصالحة وغفران...
إنَّنا إذ نكتب هذا النداء فنحن لا نريد أن نحكم على من يهدم كنائسنا وندينهم. الله هو الديّان الأوحد. بل نغفر لهم ونصلِّي لأجلهم ولأجل خلاص نفوسهم، ولأجل أن يفتح الله عيونهم على جمال الإيمان والمحبَّة والمودَّة والرحمة التي تملأ صفحات القرآن الكريم، بحيث تبدأ كلّ سورة من سوره برحمة الله لجميع البشر. وننصحهم ونطلب منهم أن يعودوا إلى بلادهم ويعيشوا حياة كريمة إنسانيَّة في أسرهم وبين ذويهم.

ولكنَّنا نكتب هذه الأسطر ونسرد وقائع هدم دور العبادة، ولاسيَّما الكنائس، والأعمال اللاإنسانيَّة، لكي يستيقظ العالم ويفتح عينيه ويدرك بشاعة هذه الأمور، ويعمل الجميع لأجل إيقافها وإيقاف كلّ أنواع العنف والقتل. لأنَّ ضحيَّتها كلّها هو الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. وندعو الجميع لكي تتضافر جهود كلّ الدول عربيَّة وأجنبيَّة لمنع هذه الفظائع ضد كرامة الإنسان، وهي جرائم ضد البشريَّة. والمسؤول عنها ليس دائمًا من يقوم بها، بل  بالحري من لا يعمل على منع وقوعها وإيقافها وعدم دعمها وشجبها. لا بل يشجِّعها ويموّلها بالمال والسلاح ويشحن القلوب بالعداء والكراهية.

لأجل إبراز فظاعة هذه الأعمال أردنا أن نعطي هذه المعلومات الواردة في هذا النداء. ونأمل أن يستيقظ الضمير العالمي أمام هذه الوقائع. وينضمّ الجميع إلى مسيرة السلام وإلى مؤتمر جنيف وإلى بناء عالم جديد تسوده المحبَّة وقِيَم الإيمان المقدَّس، الذي يجب أن يكون هدينا كلّنا مسيحيين ومسلمين وسياسيين ومسؤولين ورؤساء دول شرقًا وغربًا. ونلبِّي دعوة قداسة البابا فرنسيس: "لا حرب بعد اليوم".

لأجل هذه الغاية أنشر هذه اللوائح السوداء – المظلمة!
إنَّنا نتوجَّه بهذه الرسالة وهذا النداء بروح المحبَّة الإنجيليَّة المسيحيَّة المنفتحة، إلى ضمير من قام ويقوم بهذه الأعمال والتعدّيات على دور العبادة، لاسيَّما المسيحيَّة. ونتوجَّه إلى ضمير من يقف وراءَهم، لا بل إلى ضمير العالم. آملين وداعين وضارعين لكي تتوقَّف هذه الأعمال التي تشوِّه صورة الله في الإنسان، وتسبِّب أصناف المعاناة والويلات والآلام والدمار للبشر وللحجر.

وسنحمل هذه الكلمة معنا أثناء لقاءنا مع قداسة البابا فرنسيس في روما (21 و 29 تشرين الثاني)، ومع الكرادلة رؤساء الدوائر الرومانيَّة، ووسائل الإعلام العالميَّة.

ولا بدَّ لنا أن نتوجَّه إلى المؤمنين الأحيَّاء المسيحيّين لكي لا يدعوا البغض يقارب قلوبهم، بل يتحلَّوا بالمغفرة والمسامحة. وندعوهم بنوع خاص لكي يقاوموا مشاعر الخوف والقلق والإحباط، مع أنَّ أسبابها كثيرة وتطالنا كلّنا رعاة ورعيَّة. ويبقوا صابرين صامدين أقوياء بقوَّة الإيمان، ولا يهاجروا ولا يتركوا هذا الوطن الحبيب سورية، التي دُعِيَت بحقّ مهد المسيحيَّة. وجذورنا فيها تمتدّ في حغرافية وتاريخ سورية إلى أكثر من ألفي سنة.

نأمل أن تجد رسالتنا هذه قبولاً إيجابيًا حضاريًا في كلّ من يطّلع عليها محليًا وعالميًا.

ومع صلواتنا وأناشيدنا نقول:

"وطِّد أيُّها المسيح الإله الإيمان القويم المقدَّس، مع كنائسنا وأديارنا المقدَّسة إلى دهر الدهور".

"خلِّص يا ربّ شعبك وبارك ميراثك. مانحًا العالم السلام. مانحًا سوريَّة السلام. واحفظ بصليبك رعيَّتك".

"ولنذكر سيِّدتنا الفائقة البركات مريم العذراء، طالبين شفاعتها وحمايتها، ولنودع المسيح الإله ذواتنا وبعضنا بعضًا وحياتنا كلّها".

ونصلِّي مع أناشيد أمّنا مريم العذراء: "أيتها العذراء! نجّينا من التجربة ومن اجتياح البرابرة. ومن كلّ ضربة أخرى واردة علينا لكثرة سقطاتنا نحن الأنام المذنبين".


 

مع محبَّتي وبَرَكَتي
+ غريغوريوس الثَّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيِّين الكاثوليك