صاحب الغبطة يوسف

رسالة ميلاد 2011

٢٤ ١٢ ٢٠١١
من غريغوريوس عبدِ يسوعَ المسيح
برحمة الله تعالى
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريَّة وأورشليم




إلى السّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين
وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيح يسوع، إكليروسًا وشعبًا
المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يدعون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: 1_3).



 

شركة وشهادة
 

 


الشركة والشهادة كلمتان وعبارتان هما من صميم الفكر المسيحي، واللاهوت، وتعليم الكنيسة، وحضورها في المجتمع. لا بل هما لبّ وصفوة وزبدة تعليم السَّيِّد المسيح في الإنجيل المقدَّس، لا بل هما التعبير الأفضل لغاية سرِّ التجسُّد الإلهي، الذي نحتفل به في عيد الميلاد المجيد.
تبدأ المسيحيَّة في المسيح يسوع، الإله والإنسان، وأحد أقانيم الثالوث القدُّوس. وتبدأ بتأسيس الشركة من خلال سرِّ الثالوث القدُّوس، النَّموذج الأسمى للشركة الكاملة في الله. وتتحقَّق في سرِّ الشركة الرَّائعة بين الله والإنسان، في شخص يسوع المسيح، الذي "أتى ليجمع أبناء الله المتفرِّقين إلى واحد" (يوحنَّا 11: 52) ولكي يوحِّدَ الأرضيَّاتِ بالسَّماويَّات (كولوسِّي 1: 20). وأظنُّ أنَّ هذا هو المعنى العميق الكامل الحقيقي للأماني التي تعبِّر عنها أنشودة الملائكة التي نرنِّمها ببديع الألحان والأنغام وفي آلافِ لغاتِ البشر وفنِّهم وموسيقاهم ورسوماتهم ولوحاتهم وصلواتهم... ألا وهو النشيد الخالد الذي يعرف أن يردِّده كلُّ مؤمن، وكلُّ مسيحيّ، الصِّغار والكبار، وحتَّى يعرفه ويردِّده إخوتنا المسلمون في لقاءَاتهم مع إخوانهم المسيحيين، وفي تبادل بطاقات التهاني في عيد الميلاد المجيد؛ ألا وهو النشيد الخالد: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السَّلام وفي النَّاس المسرَّة".
هذا النشيد هو تعبيرٌ رائع للشركة ولمحتواها: أنت أيُّها الإنسان تعكس مجدَ الله على الأرض، وتحصلُ من خلال هذا المجد على السَّلام، وتنشر المسرَّة والفرح والسَّعادة بين البشر.
بهذه الأنشودة تبدأ بشرى المسيحيَّة الدَّاعية إلى وحدة كونيَّة، هي وحدة الله، ووحدة الجنس البشريّ، ووحدة الكون...
وتنتهي بشرى الإنجيل الذي هو دستور المسيحيَّة والمسيحيين، بالإرسال والدَّعوة إلى الشهادة. حيث يوجِّه السَّيِّد المسيح نداءَه وأمره ووصيَّته إلى رسله القدِّيسين بعد قيامته المجيدة، وقبل صعوده إلى السَّماء قائلاً: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمِّدوهم باسم الآب والابن والرُّوح القدس. وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلَّ الأيَّام إلى انقضاء الدَّهر. آمين" (متَّى 28/ 19-20).
نجد الوصيَّة نفسها في آخرِ فصلٍ من الإنجيل حسب رواية مرقس: "إذهبوا إلى العالم أجمع. واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلِّها. فمن آمن واعتمد يخلُص، ومَنْ لم يؤمنْ يُدان" (مرقس 16: 15-16).
ويتابع مرقس: "وخرجوا وكرزوا في كلِّ مكانٍ والرَّبُّ يؤازرهم ويؤيِّدُ الكلمة بالآيات التي كانت تصحبُها" (مرقس 16: 20).
الوصيَّة نفسها يردِّدها السَّيِّد المسيح مودِّعًا تلاميذه في الإنجيل حسب رواية لوقا: "هكذا كُتِب، أنَّه ينبغي للمسيح أن يتألَّم، وأن يقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه، بالتوبة لغفران الخطايا، إلى جميع الأمم ابتداءً من أورشليم، وأنتم شهودٌ لذلك. وها أنا أُرسل إليكم ما وعد به أبي. فامكثوا إذن في المدينة (أورشليم) إلى أن تلبسوا قوَّةً من العلاء" (لوقا 24: 46-49).
وتَرِد الوصيَّة نفسها بحلَّةٍ أخرى في الإنجيل المقدَّس حسب رواية الرَّسول الإنجيلي يوحنَّا الحبيب: "السَّلام لكم! كما أرسلني الآب كذلك أنا أُرسلكم. ولماَّ قال هذا، فتح فيهم وقال لهم: خذوا الرُّوح القدس. مَن غفرتم خطاياهم تُغفَر لهم، ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسِكَتْ" (يوحنَّا 20: 21-23).
وعبَّر يوحنَّا الإنجيلي عن الرِّسالة والشهادة برواية الصَّيد العجيب، حيث يأمر المسيح تلاميذه الذين كان بعضهم صيَّادين مثل باقي صيَّادي بحيرة طبريَّا في الجليل في فلسطين، ويقول لهم: "أَلقوا الشبكة من جانب السَّفينة الأيمن، فتجدوا. فألقَوها فلم يعدْ في وسعهم أن يجتذبوها لكثرة السَّمك" (يوحنَّا 21: 6). وهذا هو في الواقع إتمام الوعد الذي وعد به يسوع تلاميذَه حين دعاهم في مطلع رسالته وبشارته. وقال لبطرس وأخيه أندراوس: "إتبعاني فأجعلكما صيَّادَيّ بشر" (متَّى 4: 19) (راجع مرقس 1: 17) و (لوقا 5: 10).
لا بل إنَّ السَّيِّد المسيح مرَّن تلاميذه ورسله على الرِّسالة، أثناء حياته وتجواله في قرى ودساكر فلسطين: "وأرسلهم اثنين اثنين..." (مرقس 6: 7) وقال لهم: "الحصاد كثير والفَعَلة قليلون. فاطلبوا من ربِّ الحصاد أن يُرسِل فَعَلةً إلى كرمه" (متَّى 9: 37-38).
من الجميل أن نرى السِّينودس الخاصّ بكنائس منطقة الشرق الأوسط، التي هي حقًّا مهدُ المسيحيَّة، يتَّخذُ شعارًا له هاتَين العبارتَين، الرَّمز والمفتاح لرسالة الإنجيل المقدَّس. حيث إنَّ مسيحيي الشرق مؤتَمَنون على هذه الرِّسالة ومدعوون إلى هذه الدَّعوة المسيحيَّة، وعليهم أن يعيشوا إيمانهم في مجتمعاتهم العربيَّة ذي الأغلبيَّة المسلمة، في إطارٍ من الشركة والوحدة والتضامن والتعاون والتناغم، لكي يكونوا قادرين على الشهادة وحمل بشرى الإنجيل المقدَّس إلى وفي مجتمعهم.
وهناك موضوعٌ آخر متَّصل برسالتنا الميلاديَّة لهذا العام، ألا وهو السِّينودس العامّ الذي دعا إليه قداسة البابا بندكتوس السَّادس عشر، والذي سيُعقَد في تشرين الأوَّل 2012، وموضوعه: "بشرى الإنجيل المتجدِّدة". وكأنَّ هذا السِّينودس المزمع هو متابعة للسِّينودس الخاصّ بالشرق الأوسط!
فالمسيحي المشرقي مدعوٌّ إلى الشركة وإلى الشهادة، وإلى حمل بشرى الإنجيل دائمًا جديدة، جذَّابة، فاعلة، مؤثِّرة، ناصعة، إلى مجتمعه بكلِّ طوائفه وأطيافه وشرائحه وتحدِّياته...



 
الشركة في الجماعة المسيحيَّة الأولى
 

شعر الرُّسل والمسيحيُّون الأوَّلون بأهمِّيَّة الشركة بعد صعود السَّيِّد المسيح إلى السَّماء. وبذلك حاولوا أن يستجيبوا لصلاة معلِّمهم الإلهي: "أن يكونوا واحدًا... لكي يؤمن العالم" (يوحنَّا 17: 21). وهذا ما نراه في سفر أعمال الرُّسل، الذي هو وصفٌ لحياة الجماعة المسيحيَّة الأولى.
هكذا حرصوا على الحفاظ على العدد الرَّمزيّ المهمّ: الرُّسل الاثنا عشر. فكان أوَّل عملٍ جماعيٍّ مشترك قاموا به في العلِّيَّة، حيث احتفلوا مع معلِّمهم قبل آلامه بسرِّ الشركة، بالعشاء السِّرِّيّ، وبالافخارستيَّا، أي سرّ الشكر، سرّ الخبز والخمر، هذا العمل الأوَّل الجماعي كان انتخاب متِّيَّا لكي يحلَّ محلَّ يهوذا التلميذ الخائن، وهكذا أُحصي مع الرُّسل الأحد عشر (أعمال 1: 16).
وفي العلِّيَّة نفسها حلَّ الرُّوح القدس على التلاميذ، وعلى مريم أمِّ يسوع، وغيرها من النِّساء وسواهم.
وهنا نرى أنَّ الشركة الكنسيَّة تشمل ليس فقط الرُّسل والتلاميذ، بل أيضًا الرِّجال والنِّساء، المؤمنين والمؤمنات الذين انضمُّوا إلى الجماعة المسيحيَّة الأولى.
وظهرت الشركة في وحدة الرُّوح القدس الذي حلَّ على الجميع، وكانت أولى ثمار شركة الرُّوح القدس، اللُّغةُ المشتركةُ واللُّغةُ المفهومةُ من الشعوب المختلفة بلغاتها وثقافاتها وتراثاتها.
وظهرت الشركة في خطاب بطرس حيث نقرأ: "ووقف بطرس مع الأحد عشر. وكأنَّ الرُّسل يخطبون معًا بفم بطرس الذي ألقى العظة الأولى في تاريخ المسيحيَّة" (أعمال 2: 14-36).
وتظهر الشركة في وجه الكنيسة في مهدها. وقد وصف القدِّيس لوقا كاتب سفر أعمال الرُّسل هذه الشركة في الفصل الثاني وصفًا رائعًا، هذا نصُّه:
"وكانوا يواظبون على تعليم الرُّسل والمشاركة وكسر الخبز والصَّلوات. واستولى الخوف على جميع النُّفوس لِما كان يجري عن أيدي الرُّسل من الأعاجيب والآيات. وكان جميع الذين آمنوا جماعةً واحدة، يجعلون كلَّ شيءٍ مشتركًا بينهم، يبيعون أملاكهم وأموالهم، ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كلٍّ منهم، يُلازمون الهيكل كلَّ يومٍ بقلبٍ واحد، ويكسِرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطَّعام بابتهاجٍ وسلامة قلب، يُسبِّحون الله وينالون حظوةً عند الشعب كلِّه. وكان الرَّبُّ كلَّ يومٍ يضمُّ إلى الجماعة أُولئك الذين ينالون الخلاص" (أعمال 2: 42-47).
ونجد في الفصل الرَّابع من أعمال الرُّسل وصفًا رائعًا آخر لحياة الشركة بين جميع المؤمنين الأوائل، نختصره بهذه الآية التي أصبحت شعار السِّينودس لأجل كنائس الشرق الأوسط:
"وكان لجمهور المؤمنين قلبٌ واحدٌ ونفسٌ واحدة" (أعمال 4: 32). ويتابع لوقا شارحًا بالتفصيل هذه الشركة: "كان كلُّ شيءٍ مشتركًا بينهم، وكان الرُّسل يؤدُّون الشهادة بقيامة الرَّبّ يسوع تصحبها قُوَّةٌ عظيمة، وعليهم جميعًا نعمةٌ وافرة. فلم يكن فيهم مُحتاج، لأنَّ كلَّ مَنْ يملك الحقول أو البيوت كان يبيعها، ويأتي بثمن المبيع، فيُلقيه عند أقدام الرُّسل. فيُعطى كلٌّ منهم على قدر احتياجه" (أعمال 4: 32-35).
وفي أعمال الرُّسل نجد مثلاً رائعًا آخر على الشركة، هي صلاة الرُّسل والمؤمنين معًا في ساعات الشدائد التي جابهت نشأة المسيحيَّة الأولى في مهدِها.
"فلمَّا أُطلِقَ سراحهما رجعا إلى أصحابهما وأخبراهم بكلِّ ما قال لهما عظماء الكهنة والشيوخ. وعند سماعهم ذلك، رفعوا أصواتهم إلى الله بقلبٍ واحدٍ فقالوا: "يا سيِّد، أنتَ صنعتَ السَّماء والأرض والبحر وكلَّ شيءٍ فيها، أنتَ قلتَ على لسان أبينا داود عبدكَ، بوحي الرُّوح القدس:
لماذا ضجَّتِ الأمم،
وإلى الباطل سَعَتِ الشعوب؟
ملوكُ الأرض قاموا
وعلى الرَّبِّ ومسيحه
تحالفَ الرُّؤساء جميعًا
"تحالف حقًّا في هذه المدينة هيرودس وبنطيوس بيلاطس والوثنيُّون وشعوب إسرائيل على عبدِكَ القدُّوس يسوع الذي مسحته، فأجرَوا ما خطَّته يدُكَ من ذي قبل وقضَت مشيئتكَ بحدوثه. فانظر الآن يا رب إلى تهديداتهم، وهب لعبيدك أن يُعلِنوا كلمتك بكلِّ جرأةٍ باسطًا يدك ليجري الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدِكَ القدُّوس يسوع". وبعد أن صلَّوا زُلزِلَ المكان الذي اجتمعوا فيه. وامتلأوا جميعًا من الرُّوح القدس، فأخذوا يُعلنون كلمة الله بجُرأة. (أعمال 4: 24-31).
أعتذر عن سرد هذا المقطع الطويل! ولكنَّه فصلٌ رائعٌ يصف حاجة الكنيسة أمس واليوم ودائمًا إلى الصَّلاة معًا، بخاصَّةٍ في أيَّام الشدائد والاضطهادات والآلام والضِّيقات والهواجس التي تعترض مسيرة المؤمنين. وما أحوجنا إلى هذه الصَّلاة المشتركة اليوم في الظُّروف التي تمرُّ بها بلادنا في الشرق العربي، وحيث يشعر الكثيرون لا بل الجميع بالخوف، ممَّا يتمخَّض عنه المستقبل القادم القاتم!

وتظهر غَيرة الرُّسل والجماعة المسيحيَّة الأولى في الحفاظ على الشركة والترابط بين المؤمنين في تأسيس رتبة الشمامسة وعلى رأسهم استفانوس الذين يؤمِّنون خدمة الشركة والمحبَّة تجاه الجماعة النامية (راجع أعمال 6: 1-7).
وتظهر الشركة في كلِّ فصول أعمال الرُّسل، الذي يمكن أن ندعوه "إنجيل الشركة والشهادة". ومن جديد نرى الكنيسة تصلِّي معًا في شركةٍ روحيَّةٍ مع بطرس القابع في سجن الملك هيرودس "فكان بطرس في السِّجن. وكانت الكنيسة تصلِّي إلى الله بلا انقطاعٍ لأجله" (أعمال 12: 5). ولما أجرى الله مع بطرس أعجوبةً وأنقذه من السِّجن "توجَّه إلى بيت مريم أمِّ يوحنَّا الملقَّب مرقس، حيث كان إخوةٌ كثيرون مجتمعين يصلُّون" (أعمال 12: 12).
ويختتم لوقا كلامه عن الجماعة الأولى قبل أن ينتقل إلى سرد أعمال بولس، مؤكِّدًا ازدهارها من خلال الاضطهاد والصَّلاة والتبشير بالكلمة: "وكانت كلمة الله تنمو وتزداد" (أعمال 12: 24).
وتتجلَّى الشركة الكنسيَّة في قمَّتها على أثر الخلاف في الجماعة الأولى حول قبول الوثن أو الأمم أو انضمامهم إلى الجماعة الأولى. وذلك من خلال عقدِ أوَّلِ مجمعٍ مسيحيّ، هو مجمع أورشليم قبل عقد المجامع المسكونيَّة اللاحقة، ويمكن أن ندعوه أنَّه المجمع الرَّسولي. ويصفه لوقا في الفصل 15. ويورد كلمات بعض المشاركين في النِّقاش حول موضوع قبول الوثن وحول ما يجب أن يُفرَض أو لا يُفرَض عليهم. من هذه الكلمات والمداخلات، كلمات بطرس وبرنابا وبولس ويعقوب وسواهم من الرُّسل والكهنة والكنيسة كلِّها (أعمال 15: 22 و25). وهذا يعني علمانيين وعلمانيَّات شاركوا في النِّقاش حول هذا الموضوع الهامِّ جدًّا في تاريخ الكنيسة وتصويب مسيرتها وانفتاحها على العالم الوثني.
وجاء القرار المجمعي المشترك الأوَّل في تاريخ مجامع الكنيسة، مُصدَّرًا بهذه الجملة الرَّائعة: "فلقد رأى الرُّوح القدس ونحن" (أعمال 15: 28).
لكنَّ الكنيسة كانت تعرف جيِّدًا أنَّ الخطر الأكبر عليها هو خطر فقدان هذه الشركة والوحدة. وعلى هذه النِّيَّة صلَّى بولس في خطابه المؤثِّر لدى وداعه كنيسة أفسس: "إحذروا لأنفسكم، ولجميع القطيع الذي أقامكم فيه الرُّوح القدس أساقفة، لترعَوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه الخاصّ. وإنِّي عالمٌ بأنَّه بعد فراقي، سيدخل بينكم ذئابٌ خاطفة، لا تُشفق على القطيع. ومنكم أنفسكم سيقوم رجالٌ يحاولون بأقوالهم الفاسدة، أن يجذبوا التلاميذ وراءَهم. فاسهروا إذن!... والآن أستودعكم الله وكلمة نعمته. هو القادر أن يبني، وأن يؤتيكم الميراث مع جميع القدِّيسين" (أعمال 20: 24-32).
نلاحظ من خلال مفهوم وخبرة الشركة في أعمال الرُّسل وفي حياة الكنيسة الأولى، أنَّ الشركة والشهادة مترابطتان، بحيث أنَّه بمقدار ما تكون الشركة قويّة متينة عميقة، تكون الشهادة أيضًا قويَّة فعَّالة مؤثِّرة ومثمرة.
لا نورد هذه الأمور لأجل التغنِّي بالماضي أو بأمجادٍ عفى عنها الزَّمن... بل لكي نقول، أنَّ الإنسان المؤمن، عليه أن يستند إلى إيمانه وقيَمه لكي يتغلَّب على المصاعب ويجابه الأزمات.
        ونورد ذلك، لكي نساعد أولادنا ومؤمنينا على الفطنة والحكمة والصَّبر والتشبُّه بالسَّلف الصَّالح. فلا يخاف ولا ينجرُّ وراء التيَّارات الهدَّامة...
هكذا عاشت الكنيسة الأولى الشركة في السرَّاء والضرَّاء، وفي ظروف حياة الجماعة المتنوِّعة: في الصَّلاة، والأدعية، والاحتفال بكسر الخبز واللِّيترجيَّة، وفي المضايق، وفي تقاسم الخيرات ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وفي أوقات الشدَّة والمآسي والاضطهاد والمجاعة. فكانت الشركة خبرة يوميَّة ومنحىً عمليًّا في معالجة مشاكل الجماعة المسيحيَّة، إنَّها شركة روحيَّة وعمليَّة وفاعلة.




 
الشركة في الرسائل
 

في أعمال الرُّسل إكتشفنا خبرة الشركة. سنكتشف في رسائل بولس ورسائل باقي الرُّسل التعليم النَّظري والعملي عن الشركة. وبنوعٍ خاصّ نجد بولس الرَّسول يُشدِّد على الشركة، ويحارب كلّ أنواع الانقسام والتشرذم والشِقاق في الكنيسة أو الكنائس التي أسَّسها في أنطاكية وآسيا الصُّغرى (تركيا) وفي اليونان.
لا بل مارس الشركة الكنسيَّة من خلال منهاجه الرَّسولي الذي ارتكز على الشركة الحقيقيَّة والرُّوح الجماعيَّة أو السِّينودسيَّة، والمساعدة والتضامن والتعاون، التي كان يدعو إليها وإلى ممارستها. وهذا ما اكتشفناه وأوضحناه في رسالتنا الرَّابعة لعام مار بولس في حزيران 2009، وهي بعنوان: "معاونو بولس". والأمر نفسه أوضحناه في رسالتنا بعنوان: "الفقر والإنماء" (عام 2003).
وللإيضاح نستعرض ما ورد حول الشركة عند بولس.
من كلماته: "علينا نحن الأقوياء أن نساعد الضُّعفاء". وقد عمل بتميُّز مميَّز لأجل جمع التبرعات من كنائس روما وآسيا وكبَّاذوكيا، لأجل فقراء القدس. فالشركة من خلال الخدمة والدَّعم المادِّيّ والماليّ وسواه، هو من أولى اهتمامات بولس. ومن يتصفَّح رسائل بولس يتحقَّق من ذلك. ولا سبيل للإطالة بهذا المعنى (راجع روما 15، والرِّسالة الثانية إلى الكورنثيين).
أمَّا تعليم بولس عن الشركة والوحدة والتضامن والتضافر وعدم التحزُّب ورفض الانقسامات إلخ... فهو في صلب تعاليمه وله حيِّز كبير في رسائله. نستعرض بعضًا منها، بخاصَّةٍ في الرَّسائل إلى أجل كورنثوس وأفسس.
في الرِّسالة الأولى إلى الكورنثيين يشنُّ بولس هجومًا على أعداء الشركة: "أُناشدكم أيُّها الإخوة، باسم ربِّنا يسوع المسيح، أن تقولوا جميعًا قولاً واحدًا وألاَّ يكون بينكم اختلافات، بل كونوا على وئامٍ تام، في روحٍ واحد وفكرٍ واحد. فقد أخبرني عنكم، أيُّها الإخوة، أهل خلوئي أنَّ بينكم مُخاصمات، أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول: "أنا لبولس" و"أنا لأبلُّس" و"أنا لبطرس" و"أنا للمسيح". أتُرى المسيح انقسم؟ أَبولُس صُلِبَ من أجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟" (1كورنثيين 1: 11-13).
ويعود إلى موضوع الخلاف حول بولس وأبلُّس في الفصل 3، ويحذِّر من "الحسد والخصومات" (1كورنثيين 3: 3). ويستعرض فتاوى عمليَّة حول أمورٍ عمليَّة يختلف الكورنثيُّون حول معالجتها، وينقسمون تجاهها وبسببها. وهذا كلَّه يُمهِّد للفصلَين الرَّائعَين في تعليم بولس عن الشركة والوحدة بين المؤمنين، (وهما الفصلان 12 و13).
في الفصل 12 يتكلَّم بولس عن المواهب الرُّوحيَّة المتشعِّبة، ولكنَّها كلَّها مصدرها واحد هو الله. وغايتها واحدة هي الشركة والوحدة بين المؤمنين، الذين يستعملون هذه المواهب لخير الجماعة. ويعبِّر بولس عن الجماعة بالجسد، ويُظهر ببلاغةٍ رائعةٍ وجه الشبه بين الكنيسة والجسد، وبين الشركة في الكنيسة وفي الجسد. ويكفي أن أسرد هذه الآيات القصيرة المعبِّرة:
"وكما أنَّ الجسد واحدٌ وله أعضاءٌ كثيرة، وأنَّ أعضاء الجسد كلَّها على كثرتها ليست إلاَّ جسدًا واحدًا، فكذلك المسيح. فإنَّنا اعتمدنا جميعًا في روحٍ واحدٍ لنكون جسدًا واحدًا، أيهودً كنَّا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا، وشرِبنا من روحٍ واحد" (1 كورنثيين 12: 12-13).
ويصل بولس إلى قمَّة تعليمه عن الشركة والوحدة، في الفصل 13 حيث تظهر المحبَّة أنَّها أساس الشركة الكنسيَّة والتعبير الأفضل والأسمى عنها. وهي فوق جميع المواهب والمراتب والوظائف والألقاب والخدمات. ومطلعها الرَّائع: "لو كنتُ أنطقُ بألسنة النَّاس والملائكة ولم تكن فيَّ المحبَّة، فإنَّما أنا نحاسٌ يطنّ أو صنجٌ يرنّ!" (1 كورنثيين 13: 1).
فالمحبَّة هي أساس الشركة التي توحِّد بين كلِّ المواهب، وتجعلها في خدمة جسد الجماعة والمجتمع والكنيسة والرَّعيَّة إلخ...
"فالمحبَّة هي فوق النُّبوَّة، والعلم، والإيمان، والتضحية والبذل" (1 كورنثيين 13: 2-3).
ثمَّ يأتي بولس على ذكر صفات المحبَّة الفاعلة الفعَّالة، ويُنهي بهذه العبارة: "المحبَّة لا تسقط أبدًا" (1 كورنثيين 13: 8). ويتابع: "الآن يثبت الإيمان والرَّجاء والمحبَّة. هذه الثلاثة. لكن أعظمهنَّ المحبَّة" (1 كورنثيين 13: 13).
وفي الرِّسالة إلى أفسس دعواتٌ متكرِّرة إلى هذه الشركة المؤسَّسة على المحبَّة، وإلى المحبَّة التي هي رباط الكمال وهي أساس الشركة بين المؤمنين. بولس يُصلِّي راكعًا لأجل المؤمنين في أفسس لكي "يتأصَّلو في المحبَّة ويتأسَّسوا عليها" (أفسس 3: 7). ويلي ذلك نداءٌ حارٌّ رائعٌ إلى الوحدة: "فأُناشدكم إذًا، أنا السَّجين في الرَّبّ، أن تسيروا سيرةً تليقُ بالدَّعوة التي دُعيتم إليها، سيرةً ملؤها التواضع والوداعة والصَّبر، مُحتملين بعضكم بعضًا في المحبَّة ومجتهدين في المحافظة على وحدة الرُّوح برِباط السَّلام. فهناك جسدٌ واحدٌ وروحٌ واحد، كما أنَّكم دُعيتُم دعوةً رجاؤها واحد. وهناك ربٌّ واحدٌ وإيمانٌ واحدٌ ومعموديَّةٌ واحدة، وإلهٌ واحدٌ أبٌّ لجميع الخلق وفوقهم جميعًا، يعمل بهم جميعًا وهو فيهم جميعًا" (أفسس 4: 1-6).
من خلال هذه المطالعة في أعمال الرُّسل وفي رسائل بولس نرى أنَّ الشركة المستندة إلى المحبَّة هي التي ميَّزت حياة الكنيسة الأولى وخبرتها الوجوديَّة وتعليمها المقدَّس.
تكلَّمنا عن الشركة بين المؤمنين، ولكنَّها بالطَّبع كما قلنا في مطلع الرِّسالة، هي شركة مستندة إلى شركة الثالوث الأقدس، في وحدانيَّة الله الخالق، ومستندةٌ على الشركة في المسيح يسوع بخاصَّةٍ في الأسرار المقدَّسة، التي تجعل المؤمن يعيش سرَّ المسيح في الجماعة المؤمنة.





 
الشهادة في الجماعة المسيحيَّة الأولى
 

نقرأ في مطلع سفر أعمال الرُّسل ما هو في الواقع آخر كلمات السَّيِّد المسيح لتلاميذه قبل صعوده إلى السَّماء، وهي دعوةٌ إلى الشهادة: "إنَّكم ستنالون قوَّةً بحلول الرُّوح القدس عليكم. فتكونون لي شهودًا في أورشليم، وفي جميع اليهوديَّة والسَّامرة، وإلى أقصى الأرض" (أعمال 1: 8).
الملفت أنَّ هذا الفصل يُقرَأ يوم عيد الفصح في طقس كنيستنا، في عيد القيامة. إذ مع قيامة المسيح تبدأ رسالة كلّ مؤمن بالمسيح، إذ يطلب منه أن "يؤدِّي شهادةً للرَّجاء الذي فيه" (1 بطرس 3: 15) وهو رجاء القيامة والإيمان بالقيامة، التي هي أساس إيماننا المسيحي.
وفي الواقع بدأت الجماعة المسيحيَّة الأولى الصَّغيرة، وهي القطيع الصَّغير، تعيش الشهادة مع الشركة. بالرَّغم من أنَّها واجهت الاضطهاد الشرس، من المجمع اليهوديّ ومن الإمبراطوريَّة الوثنيَّة. ولكن لا بدَّ من الإشارة إلى واقعٍ غريب عجيب: إنَّ المضطهدين هم الذين أسهموا في الواقع في نشر الإيمان المسيحي إلى كلِّ بقعةٍ تفرَّقوا فيها عبر العصور، في العالم الرُّوماني الهلِّيني، وفي المشرق (العربي اليوم). كما أنَّ الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة الوثنيَّة الواحدة المترامية الأطراف من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، والتي لم يكن يفصل بين بلدانها حدود، سهَّلت كثيرًا تنقُّل الرُّسل من الشرق إلى الغرب. وهذا ما سهَّل انتشار المسيحيَّة وساعد الرُّسل والجماعة المسيحيَّة الأولى على حمل الشهادة للسَّيِّد المسيح ولقيَم الإنجيل في العالم الوثنيّ. وهكذا صحَّ القول: "في كلِّ الأرض ذاع منطقهم، وإلى أقاصي المسكونة كلامهم" (مزمور 18: 4).
ومن منطلق واجب الشهادة، عمد الرُّسل حالاً بعد صعود السَّيِّد المسيح معلِّمهم، وسارعوا إلى انتخاب متِّيَّا مكان يهوذا، وذلك كما نقرأ في أعمال الرُّسل: "لكي يصير شاهدًا معنا بقيامته (قيامة يسوع)" (أعمال 1: 22). "ولكي يستخلف في هذه الخدمة والرِّسالة" (أعمال 1: 25).
وبدأت الشهادة والرِّسالة حالاً بعد حلول الرُّوح القدس خمسين يومًا بعد القيامة في علِّيَّة صهيون في القدس، كما نقرأ: "وطفقوا يتكلَّمون بلغاتٍ أخرى، كما آتاهم الرُّوح أن ينطقوا" (أعمال 2: 40).
وفي اليوم نفسه وصلت بشارة وشهادة الرُّسل إلى الآلاف من اليهود (وأظنُّ سواهم أيضًا) الذين حضروا حادثة العنصرة وهم ينتمون إلى 16 بلدًا أو قطرًا، من العالم المعروف آنذاك، وهو يشمل حاليًّا الشرق الأوسط والأدنى (مع شمال إفريقيا) وأوروبا الحاليَّة.
وثبَّت هذه الشهادة بطرس هامة الرُّسل بخطابه الأوَّل، وهو أوَّل عظة مسيحيَّة.
ويؤكِّد بطرس في عظته قائلاً: "ونحن جميعًا شهودٌ لذلك" (أعمال 2: 32).
وشهدت الجماعة المسيحيَّة الأولى أوَّلاً بحياتها، كما سبق وذكرنا في كلامنا عن الشركة، وعن حياة الكنيسة في مهدها، بحيث كانت حياةُ الجماعةِ شهادتَها الأولى. والجميع يعرفون القول الشهير من قبل الوثنيين عن المسيحيين الأوائل في أنطاكية: "أنظروا كيف يُحِبُّون بعضهم بعضًا" (ترتليانوس. دفاع 39: 7).

        ويقول لوقا في سفر الأعمال: "وكانوا ينالون حظوةً عند جميع الشعب" (أعمال 2: 47). وكانت العجائب التي تجري على أيدي الرُّسل، دعمًا للشهادة. وكانت الجرأة تغمر قلوب المؤمنين في تأدية الشهادة، بالرَّغم من التهديدات. وكانت الشهادة الخارجيَّة مستندة

إلى رؤية داخليَّة حيث نقرأ: "إنَّنا لا نقدر أن لا نتكلَّم بما عاينَّا وسمعنا" (أعمال 4: 20). وهكذا كانوا: "ينادون بكلمة الله بجرأة" (أعمال 4: 31).
ويصرِّح بطرس باسم الرُّسل أمام رئيس الكهنة: "نحن شهودٌ له (للمسيح) بهذه الأمور، والرُّوح القدس أيضًا، الذي أعطاه الله للذين يطيعونه" (أعمال 5: 32). وكانوا كلَّ يوم، في الهيكل وفي البيوت، لا ينفكُّون يعلِّمون ويبشِّرون بالمسيح يسوع" (أعمال 5: 42).
وعلى الأثر وبعد استشهاد رئيس الشمامسة استفانوس، "ثار اضطهادٌ شديدٌ عام على الكنيسة التي في أورشليم" (أعمال 8: 1). "كانوا يطوفون مبشِّرين بالكلمة" (أعمال 8: 4). وانتقل الإيمان بواسطة شهادة وكرازة فيلبُّس إلى الحبشة في الأسابيع الأولى بعد العنصرة بواسطة قيِّم ملكة الحبشة (أعمال 8: 26-40).
ومن أهمِّ نتائج جرأة الرُّسل هداية بولس الرَّسول، شاول اليهودي الطرسوسي، وذلك على مشارف دمشق: أتاها مضطهدًا أسدًا مزمجرًا، قاتلاً، وفيها رأى السَّيِّد المسيح القائم من الأموات، وتحوَّل إلى أكثر الرُّسل جرأةً وقوَّةً وشجاعةً في الشهادة ونشر الإيمان المسيحي في كلِّ أرجاء الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة. انطلاقًا من دمشق والقدس وأنطاكية... (أعمال 9: 30). وهكذا تفتح الكنيسة أبوابها للوثن ولجميع الأمم. وتأسَّست الكنيسة الأولى في مدينة أنطاكية عاصمة الثقافة اليونانيَّة الهلِّينيَّة الوثنيَّة: "وفي أنطاكية دُعيَ التلاميذ مسيحيين" (أعمال 11: 26).
ويتابع سفر أعمال الرُّسل رواية أعمال وأقوال وسفرات بولس ورفاقه يبشِّرون بالكلمة، بالرَّغم من الاضطهادات والمضايق والآلام والأزمات... فشهد بولس أمام الملوك والولاة في الشرق والغرب، حتَّى انتهى به الأمر إلى الشهادة في روما مع بطرس هامة الرُّسل. وينتهي سفر أعمال الرُّسل بهذه العبارة عن بولس الذي حاز لقب "رسول الأمم": "وأقام بولس سنتَين كاملتَين في بيتٍ استأجره (في روما). وكان يقبل جميع الذين يقصدونه، مبشِّرًا بملكوت الله، ومعلِّمًا ما يختصُّ بالرَّبِّ يسوع المسيح، بكلِّ جرأةٍ وحرِّيَّة" (أعمال 28: 30-31).
ويصف بولس الرَّسول الصُّعوبات التي اعترضته في الشهادة لإنجيل الرَّبِّ يسوع في رسالته الثانية إلى كورنثوس: "هم خدام المسيح؟- أقول قول أحمق- وأنا أفوقهم: أفوقهم في المتاعب، أفوقهم في دخول السُّجون، أفوقهم كثيرًا جدًّا في تحمُّل الجَلْد، في التَّعرُّض لأخطار الموت مِرارًا. جلَدَني اليهود خمس مرَّاتٍ أربعين جلدة إلاَّ واحدة، ضُربتُ بالعِصيِّ ثلاث مرَّات، رُجِمتُ مرَّةً واحدة. انكسرت بي السَّفينة ثلاث مرَّات، قضَيتُ ليلةً ونهارًا في عُرضِ البحر. أسفارٌ متعدِّدةٌ، أخطارٌ من الأنهار، أخطارٌ من اللُّصوص، أخطارٌ من بني قومي، أخطارٌ من الوثنيين، أخطارٌ في المدينة، أخطارٌ في البريَّة، أخطارٌ في البحر، أخطارٌ من الإخوة الكذَّابين، جَهدٌ وكدٌّ، سهرٌ كثير، جوعٌ وعطش، صومٌ  كثير، بردٌ وعُريٌ، فضلاً عن سائر الأمور من همِّي اليوميِّ والاهتمام بجميع الكنائس. فمَن يكون ضعيفًا ولا أكون ضعيفًا؟ ومَن تَزِلُّ قدَمه ولا أُحرق أنا؟" (11: 23-29).
ويصف بولس أيضًا الصُّعوبات التي واجهها الشهداء عبر تاريخ الخلاص، ويدعو المؤمنين إلى الشهادة، انطلاقًا من إيمانهم ولأجل الدِّفاع عن هذا الإيمان بالمسيح. هذا ما نقرأه في الرِّسالة إلى العبرانيين:
"فهم بفضل الإيمان دوَّخوا الممالك وأقاموا العدل ونالوا المواعد وكمُّوا أفواه الأسود وأخمدوا النَّار ونجَوا من حدِّ السَّيف وتغلَّبوا على المرض وصاروا أبطالاً في الحرب ورَدُّوا غارات الغرباء، واستعادَت نساءٌ أمواتهنَّ بالقيامة.
"وتحمَّل بعضهم توتير الأعضاء وأبَوا النَّجاة رغبةً في الأفضل، أي في القيامة. وبعضهم الآخر عانى السُّخرية والجلد، فضلاً عن القيود والسِّجن. ورُجموا ونُشروا وماتوا قَتلاً بالسَّيف وهاموا على وجوههم، لِباسهم جلود الغنم وشَعر المعز. مَحرومين مَضايقين مَظلومين، لا يستحقُّهم العالم، وتاهوا في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض.
"وهؤلاء كلُّهم تلقَّوا شهادةً حسنةً بفضل إيمانهم، ولكنَّهم لم يحصلوا على الموعد، لأنَّ الله قدَّر لنا ما هو أفضل لكيلا يُدرِكوا الكمال من دوننا." (عبرانيين 11: 33-40).
"لذلك فنحن الذين يُحيط بهم هذا الجمُّ الغفير من الشهود، فلنُلقِ عنَّا كلَّ عِبءٍ وما يُساورنا من خطيئة ولْنَخضْ بثباتٍ ذلك الصِّراع المعروض علينا، مُحدِّقين إلى مُبدئ إيماننا ومُتمِّمه، يسوع الذي، في سبيل الفرح المعروض عليه، تحمَّل الصَّليب مُستخفًّاً بالعار، ثمَّ جلس عن يمين عرش الله" (عبرانيين 12: 1-2).
لا شكَّ أنَّنا نشعر أنَّ هذا الكلام موجَّهٌ إلى كلِّ واحدٍ منَّا، إلى المسيحيين اليوم خاصَّةً في الأماكن السَّاخنة في البلاد العربيَّة بخاصَّة وسواها أيضًا. وعلينا جميعًا أن نتسلَّح بالإيمان المقدَّس، في هذه الظروف الصَّعبة التي نجتازها كلّنا، ليس فقط المسيحيُّون، بل جميع المواطنين، بسبب ما يمكن أن يحصل من فوضى وبسبب فقدان رؤيةٍ حقيقيَّة، وبسبب عدم وجود بديل حقيقي!





 
الشركة والشهادة في السِّينودس لأجل الشرق الأوسط


لقد استعرضنا معاني الشركة والشهادة في الكتاب المقدَّس بخاصَّةٍ في أعمال الرُّسل، وترابطهما في خبرة الكنيسة الأولى.
والآن أرى من الضروري أن أستعرض كيف عولج هذا الموضوع في سينودس الأساقفة الجمعيَّة الخاصَّة بالشرق الأوسط: في خطابات قداسة البابا، والبيان الختامي، وفي التوصيات التي صوَّت عليها آباء السِّينودس من بطاركة وكرادلة ومطارنة إلخ... وهي في الواقع فكرنا كلنا المشاركين في السِّينودس.
وفي الجزء الأخير من هذه الرِّسالة الميلاديَّة نقدِّم لكنيستنا الخطَّة الخمسيَّة التي وضعتُها وناقشناها في سينودس كنيستنا البطريركيَّة في حزيران 2011. إذ إنَّ هذه الخطَّة هي في الواقع مختصر نتائج السِّينودس وبرنامج عمل يستند على توصيات السِّينودس وتوجُّهاته الأساسيَّة.
ألقى قداسة البابا خطابَين الأوَّل في افتتاح السِّينودس (10 تشرين الأوَّل 2010)، والثاني في ختامه (24 تشرين الأوَّل 2010).
جاء في خطاب الافتتاح أنَّ الكنيسة في الشرق الأوسط تتحدَّد بأنَّها شركة وشهادة. ومن خلال الشركة والشهادة تحقِّق الكنيسة مشروع الله الخلاصي (أو الإيكونوميا).
ويقول قداسته: "بدون شركة لا يمكن وجود الشهادة. إنَّ الشهادة الكبرى هي حقًّا حياة الشركة. كما قال السَّيِّد المسيح: "بهذا يعرف النَّاس أنَّكم تلاميذي، إذا كنتم تحبُّون بعضكم بعضًا" (يوحنَّا 13: 35)".
وعلَّل قداسته في خطاب ختام السِّينودس الأحوال والظروف التي يعيش فيها المسيحيُّون عمومًا في منطقة الشرق الأوسط، والتي تؤثِّر سلبًا على عيش الشركة وأداء الشهادة الإيمانيَّة المسيحيَّة في المجتمع.
يقول قداسته: "يذهب بنا الفكر إلى الكثير من إخوتنا وأخواتنا الذين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط، والذين يعانون من أوضاعٍ صعبة، أكان بسبب عدم توفُّر الإمكانيَّات المادِّيَّة، أو بسبب الإحباط وحالة التوتُّر وأحيانًا الخوف. تقدّم لنا كلمة الله اليوم أيضًا نور رجاءٍ معزٍّ".
ولاحقًا يقول قداسته: "قد تطبَّق على المسيحيين في الشرق الأوسط كلمات الرَّبِّ يسوع: "لا تخف أيُّها القطيع الصَّغير، فقد حسُنَ لدى أبيكم أن يُنعمَ عليكم بالملكوت" (لوقا 12: 32). بالفعل، حتَّى لو كانوا قلَّة عدديَّة، لكنَّهم حاملو البشرى السَّارَّة لمحبَّة الله للإنسان، محبَّة تجلَّت بالذَّات في الأرض المقدَّسة في شخص يسوع المسيح. وتتردَّد أصداء كلمة الخلاص هذه، والمعزَّزة بنعمة الأسرار، بفعاليَّة فريدة، في الأماكن التي، بعناية إلهيَّة، كتبت فيها. وهي الكلمة الوحيدة القادرة على كسر دوَّامة الثأر والكراهية والعنف. فانطلاقًا من قلبٍ نقيّ، وفي سلامٍ مع الله والقريب، يمكن أن تنشأ نوايا ومبادرات سلام على الصَّعيد المحلِّي والوطني والدَّولي".
وفي موقعٍ آخر من خطابه يشدِّد قداسته على شرطٍ مهمٍّ جدًّا لأجل عيش الشركة والشهادة، ألا وهو حلّ الصِّراع الإسرائيلي _ الفلسطيني _ العربي.
"منذ زمنٍ بعيد تستمرُّ في الشرق الأوسط النزاعات، الحروب، العنف والإرهاب. السَّلام، الذي هو عطيَّة من الله، هو أيضًا نتيجة جهود البشر ذوي الإرادة الحسنة، والمؤسَّسات الوطنيَّة والدُّوليَّة، وخصوصًا الدُّول الأكثر مشاركة في البحث عن حلٍّ للنزاعات. يجب ألاَّ نرضخ أبدًا أمام غياب السَّلام. السَّلام ممكن. السَّلام ملحّ. السَّلام شرطٌ لا بدَّ منه لحياةٍ كريمةٍ للشخص البشريّ وللمجتمع. السَّلام هو أيضًا الدَّواء الأنجع لتلافي الهجرة من الشرق الأوسط".
ولاحقًا يشدِّد قداسته على شرطٍ آخر لعيش الشركة والشهادة ألا وهي الحرِّيَّة في كلِّ أبعادها، والتي هي حقٌّ طبيعيّ لكلِّ إنسان، مهما كان دينه ومعتقده.
يقول قداسته: "مساهمةٌ أخرى يستطيع المسيحيُّون تقديمها للمجتمع هي تعزيز حرِّيَّة دينيَّة وضميريَّة حقيقيَّة، وهي حقٌّ من الحقوق الأساسيَّة للشخص البشري، على كلِّ دولةٍ أن تحترمه دائمًا. في بلدانٍ عديدةٍ من الشرق الأوسط، توجد حرِّيَّة العبادة، فيما مساحة الحرِّيَّة هي غالبًا محدودة إلى درجةٍ كبيرة. توسيع مساحة الحرِّيَّة هذه يصبح صرورة ليضمن لكلِّ المنتمين إلى الجماعات الدِّينيَّة المختلفة، الحرِّيَّة الحقيقيَّة للعيش والتعبير عن إيمانهم. مِثلُ هذا الموضوع يمكن أن يُصبح موضوع حوارٍ بين المسيحيين والمسلمين، حوارٍ أكَّد آباء السِّينودس على ضرورته وفائدته".
نورد أيضًا ما جاء في البيان أو النِّداء الختامي حول الشركة والشهادة. إذ إنَّ هذا النِّداء يعبِّر عن فكر آباء السِّينودس، وبخاصَّة الشرقيين حول هذا الموضوع، وبالتالي عن فكرنا أنا والسَّادة المطارنة في كنيستنا، مع العلم أنَّ سيادة المطران كيرلُّس بسترس كان رئيس لجنة صياغة هذا البيان.
البيان الختامي يُخاطب مؤمني كنائس الشرق الأوسط نافخًا فيهم روح عنصرةٍ جديدة وشاحذًا هممهم بهذه العبارة: "يقول لنا السَّيِّد المسيح: "أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم" (متَّى 5: 13-14). إذ إنَّ رسالتكم، أيُّها الأبناء الأعزَّاء، هي أن تكونوا بالإيمان والرَّجاء والمحبَّة في مجتمعاتكم كالملح الذي يعطي الحياة طعمها ومعناها، وكالنُّور الذي يُضيء الظُّلمات بالحقّ، وكالخمير الذي يحوِّل القلوب والعقول. كان المسيحيُّون الأوَّلون في أورشليم عددًا ضئيلاً، ومع ذلك استطاعوا أن يحملوا الإنجيل إلى أقاصي الأرض بنعمة "الرَّبّ الذي كان يعمل معهم ويؤيِّد كلامهم بالآيات" (مرقس 16: 20)".
ثمَّ يوجِّه نداءً مناسبًا لكلِّ فئات وشرائح المجتمع والرَّعايا والأبرشيَّات: الكهنة والرُّهبان والرَّاهبات والنُّسَّاك والمؤمنين عامَّة، أبناء وبنات كنائسنا، العائلات المسيحيَّة، وبخاصَّةٍ الأمَّهات، الشبَّان والشابَّات، العاملون والعاملات، المسؤولون والمسؤولات في المؤسَّسات التربويَّة، والحقل الاجتماعي، وفي الإعلام، وجماعات الصَّلاة والحركات الرَّسوليَّة. ويشدِّد هممهم كلَّهم ويشكرهم على عطاءَاتهم، وعلى عيش الشركة والشهادة من خلال حياتهم ومسؤوليَّاتهم في الكنيسة والمجتمع.
ويدعو البيان إلى تكثيف الشركة والشهادة والوحدة مع الكنائس الأرثوذكسيَّة والإنجيليَّة.
ننقل هذا المقطع المؤثِّر من النِّداء حول الوحدة المسيحيَّة: "نوجّه تحيّتنا إلى الكنائس الأرثوذكسيَّة الشقيقة والجماعات الإنجيليَّة في بلداننا. إنَّا نسير معًا في سبيل خير المسيحيين وبقائهم ونمُوِّهم وازدهارهم. مسيرتنا واحدة وتحدّياتنا واحدة ومستقبلنا واحد. نريد أن نشهد معًا، كتلاميذَ للسَّيِّد المسيح. وبوحدتنا فقط، نستطيع أن نتمّم الرسالة التي عهد بها الله إلينا جميعًا، مع تنوّع كنائسنا. وتبقى صلاة السيد المسيح قوّتنا ووصيّة المحبة هي التي توحّدنا، ولو طالت الطريق نحو الشركة الكنسية الكاملة. وهدفنا الأخير الشهادة المشتركة لإيماننا وخدمة أبنائنا وبلداننا كلِّها".
وأتت التوصية رقم 28 تطبيقًا لهذه الدعوة إلى الوحدة. وقد ورد في التوصية: "العمل على توحيد تاريخ الاحتفال بعيدي الميلاد والفصح". وقد استجاب مجلس البطاركة الشرقيين الكاثوليك لهذه التوصية التي هي نفسها صدرت عن الرعاة الشرقيين أنفسهم. وهذا نص الفقرة 3 في توصيات المجلس: "يوصي المجلس بالسعي الجاد إلى توحيد عيد الفصح بين جميع الكنائس، وإيجاد السبل الضامنة لصِيَغٍ عملية لتنفيذ هذا الطلب الملحّ من قبل جميع المسيحيين، لا سيّما في بلداننا المشرقية، كما هو قائم في مصر والأردن وفلسطين"

ويشير البيان إلى أهمِّيَّة التعاون والحوار مع اليهود لأجل مستقبلٍ أفضل للأرض المقدَّسة: "نرجو أن يقودنا هذا الحوار إلى العمل لدى أصحاب الشأن على إزالة النزاع السِّياسي القائم بين شعوبنا والذي لا يزال يعكِّر أجواء الحياة في بلداننا".
وهناك مقطع ملفت للانتباه، وقد أثار جدلاً، وهو يتعلَّق بالسَّلام ونبذ المواقف السَّلبيَّة اللاهوتيَّة. نقرأ في النَّصّ: "لقد آن الأوان لنلتزم معًا صُنعَ سلام صادق وعادل ونهائي. إنّ كلمة الله تدعونا إلى سماع صوت الله "المتكلِّم بالسلام": "إني أسمع: ماذا يقول الله؟ إنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأصفيائه" (مزمور 85: 9). فلا يجوز اللجوء إلى مواقف بيبليّة لاهوتية لجعلها أداة تبرر الظلم. بخلاف ذلك إن اللجوء إلى الدين يجب أن يحملنا على رؤية وجه الله في كلِّ إنسان. وعلى معاملته بحسب صفات الله ووصاياه، أعني بحسب صلاح الله وعدله ورحمته ومحبّته لنا."
نأمل أن تستجيب الدُّول إلى هذا النِّداء، وبخاصَّةٍ بعد أن تقدَّم الرَّئيس الفلسطيني طلبًا رسميًّا إلى العالم للاعتراف بالدَّولة الفلسطينيَّة إلى جانب الدَّولة الإسرائيليَّة. ونحبُّ أن نشير أنَّنا نرفض رفضًا تامًّا عبارة الدَّولة اليهوديَّة. لا بل نعتبر بكلِّ احترام أنَّ هذا التوجُّه، يُشكِّل انتحارًا يهوديًّا جماعيًّا. بالإضافة إلى أنَّه يساعد على تفتيت المنطقة إلى دويلات دينيَّة، ويؤجِّج الرُّوح الطَّائفيَّة الفئويَّة العدائيَّة. ولا يخدم أحدًا في المنطقة، لا اليهود، ولا المسلمين، ولا المسيحيين.
ويدعو البيان إلى التعاون وحوار الحياة مع المواطنين المسلمين، كأداة أخرى لحياة الشركة والشهادة. فهذا الحوار بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقًا عن حلِّ الصِّراع الإسرائيلي الفلسطيني، هو شرطٌ أساسيّ لكي يتمكَّن المسيحي من تحقيق شعار السِّينودس في الشركة والحوار في مجتمعه العربي.
وبشأن الحوار مع المسلمين يقول البيان: "نقول لمواطنينا المسلمين: إنّنا إخوة، والله يريدنا أن نحيا معًا، متّحدين في الإيمان بالله الواحد ووصيّة محبّة الله ومحبّة القريب. معًا سنعمل على بناء مجتمعات مدنية مبنية على المواطنة والحرّية الدينية وحرّية المعتقد. معًا سنتعاون لتعزيز العدل والسلام وحقوق الإنسان وقيم الحياة والعائلة. إنّ مسؤولياتنا مشتركة في بناء أوطاننا. نريد أن نقدّم للشرق والغرب نموذجًا للعيش المشترك بين أديان متعدِّدة وللتعاون البنَّاء بين حضارات متنوّعة لخير أوطاننا ولخير البشرية جمعاء".
إنَّ هذا المقطع نبويّ! وهو ينطبق على المطالب المعقولة والمنطقيَّة التي يحقُّ أن تكون برنامج كلّ المظاهرات والثورات والمطالبات، بدل العنف والحقد والدَّمار وسفك الدِّماء ونشر الرُّعب والإرهاب والعداء والكراهيَّة بين المواطنين، عن طريق استغلال الدِّين والعرق والرُّوح القبليَّة إلخ...
هذا المقطع هو صدى لما طالبنا به الدُّول العربيَّة في الرِّسالة التي عبَّرنا فيها عن تهانينا بالفطر السَّعيد إلى الملوك وأمراء ورؤساء الدُّول العربيَّة (آب 2011) وهذا مقطع رئيسي فيها: "نريد أن نصوغ معايدتنا لهذا العام في عيد الفطر المبارك بباقةٍ من الأماني والأفكار التي نستوحيها من واقع بلادنا العربية المؤلم، إذ إننا كمسيحيين نشعر بالمسؤولية تجاهه. وقد كنّا عبر تاريخنا المشترك الطويل (1432 عامًا) متضامنين مع عالمنا العربي والإسلامي، وساهمنا في بنائه وثقافته وحضارته وأدبه وشعره وعروبته وفي حروبه. وذلك من منطلق قناعتنا أننا جسم واحد، وإذا تألّم فيه عضوٌ تألّمت معه سائر الأعضاء، وإذا فرح عضوٌ فرحت معه سائر الأعضاء. وقد جاء في الحديث الشريف: " مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثَلُ الجسدِ الواحدِ. إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجَسَدِ بالسَّهر والحُمّى".

"كنَّا ننتظر أن يتحرَّك العالم العربي (البلاد العربيَّة والبلاد الإسلاميَّة) في هذه الظروف المأساويَّة، ويعقدوا قمّة بل قممًا متتالية لمعالجة آلام وآمال شعوبهم ويتفاعلوا مع ثورات الأجيال الطالعة. ومعًا يحلّلوا أسبابها ومؤشّراتها وأبعادها وأهدافها وأخطارها والفرص التي يمكن أن تقدّمها لنا جميعًا. وبدل أن نترك الغريب، مهما كانت نواياه، يتدخّل في شؤوننا ويملي علينا أفكاره، ويهدّد حكوماتنا، ويدعو رؤساء بلادنا إلى التنحِّي والاستقالة والرحيل... ويُذلّ رموز بلادنا العربية، بالعزل والمحاكمات المهينة... كنا ننتظر أن تنظّم البلاد العربية، ملوكًا ورؤساء وأمراء، صفوفها وتطرح جانبًا مصالحها الفردية وتتغلّب على

تشرذمها وأحلافها الجزئية الضيّقة، وتقف معًا صفًّا واحدًا أمام هذه التسونامي من الثورات التي طالت بدرجات متفاوتة تقريبًا نصف مجموعة البلاد العربية".
"لم يفت الأوان! الفرصة لا تزال متاحة أمام المسؤولين في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، أن يأخذوا مأخذ الجِدّ كلَّ الشعارات التي دوَّت بها ساحات عواصمنا ومدننا وقرانا، ويجمعوها، ويجعلوا منها برنامج عملٍ جماعيٍّ عربيٍّ مشرقي، وأقول إسلامي مسيحي، لأجل مستقبلٍ أفضل لشعوبنا وبخاصَّةٍ لأجيالنا الشابّة الطَّالعة التي نزلت إلى الشارع العربي. ومن ثمَّ يصوغون منها شرعة حقوق الإنسان العربي الحديثة.
"لا يمكننا ولا يجوز لنا أن نتنكَّر لهذه الأصوات والشعارات والمطالب مهما كانت دوافعها وخلفيَّاتها. فنحن مقتنعون بأنَّ عالمنا العربيّ يحتاج إلى ثورةٍ فكريَّةٍ وروحيَّةٍ واجتماعيَّة. ولكن ليس بهذه الطريقة التي نشاهدها على شاشات التلفزيون عبر وسائل الإعلام منذ مطلع هذا العام 2011".
"ومن منطلق إيماننا ومن منطلق مسؤوليَّتنا كبطريرك يحمل الجنسيَّة السُّوريَّة واللُّبنانيَّة والفلسطينيَّة والمصريَّة، وزعيم روحي لطائفة تميَّزت بالوقوف بصراحةٍ وعزمٍ وتصميمٍ إلى جانب قضايا العالم العربي وبخاصَّةٍ القضيَّة الفلسطينيَّة، نكتب هذه الرِّسالة بصراحةٍ وجرأة. ومن هذا المنطلق نسمح لذواتنا أن نجمع حصيلة الأمور والمشاكل التي برزت من خلال هذه "الثورات". وقد عبَّرنا عن ذلك في العديد من المقالات، والمقابلات التلفزيونيَّة والرَّسائل التي بعثنا بها إلى الملوك والرُّؤساء في العالم العربي، وإلى دول الاتحاد الأوروبي، وإلى أميركا وكندا وأميركا الجنوبيَّة وأوستراليا، وإلى كرادلة ومطارنة ورؤساء المجالس الأسقفيَّة في العالم الكاثوليكي المسيحي. وكان ذلك بمناسبة انعقاد السِّينودس الخاصّ من أجل الشرق الأوسط في شهر تشرين الأوَّل 2010".  
"ومن منطلق إيماننا بالله وبالوطن، ومن منطلق قيَمنا وقناعاتنا الرُّوحيَّة والوطنيَّة، نناشد إخوتنا وأخواتنا أن نعمل معًا في هذه الظروف الصَّعبة لكي نحافظ على وحدتنا الوطنيَّة العربيَّة، ووحدتنا الإسلاميَّة والمسيحيَّة، فنتجاوز المحنة ونتعالى على الجراح. ونعمل لأجل مجتمعٍ عربي حضاري تزول فيه الفوارق الاجتماعية والمذهبية والإثنية، وتتحقَّق فيه آمالنا كلَّنا في الحقِّ والعدل والكرامة والحرِّيَّة الدِّينيَّة والشخصيَّة، ومحاربة الفساد، وتطوير الرِّيف، ودعم الفقراء والمظلومين خاصَّةً في الرِّيف والمناطق المحرومة من الطبيعة ومن التَّحديث، عاملين معًا لتحقيق ما يتطلَّبه الإصلاح السياسي والاجتماعي والأسري على مدى العالم العربي الذي نُعلن عن تضامننا معه، لأنَّنا نحبُّه ونريد أن نكون فيه بناة عالمٍ أفضل تسود فيه حضارة السَّلام والأخوَّة والمحبَّة... بحيث نُكمِل مسيرة عيشنا المشترك، مسيحيين مسيحيين من مختلف الطوائف، ومسلمين مسلمين من مختلف الطوائف أيضًا في بلادنا العربيَّة جمعاء. وهكذا نعطي للعالم وبعد هذه الثورات نموذجًا فريدًا عربيًّا إسلاميًّا مسيحيًّا مشرقيًّا، يساعد في حوار الشرق والغرب والإسلام والمسيحيَّة في العالم بأسره. لا بل تكوِّن هذه القضايا المذكورة أعلاه شرعة حقوق الإنسان العربي الحديثة. ويا حبَّذا لو عملت الدُّول العربيَّة على وضع هذه الشرعة، كخلاصةٍ لتفاعلها مع أوضاع شعوبها الرَّاهنة".
"وهكذا نحقِّق نداء القرآن الكريم في الآية الكريمة: هلمُّوا إلى كلمةٍ سواء"(سورة آل عمران 3: 64). ونحقِّق دعوة وصلاة يسوع في الإنجيل المقدَّس "أن يكونوا واحدًا لكي يؤمن العالم" (يوحنَّا 17: 21)".
"هذا هو البرنامج الواعد وهذا هو النظام الجديد، وهذا هو الشرق الأوسط الجديد، وهذا هو المستقبل الزاهر الذي يمكن للبلاد العربيَّة أن تحقِّقه متَّحدةً متضامنة. وهذه هي خريطة الطَّريق الحقيقيَّة لأجل تحقيق آمال الأجيال الشابَّة، وجميع المواطنين على اختلاف شرائحهم. وبخاصَّةٍ هذه خريطة الطَّريق لأجل تحقيق السَّلام العادل والدَّائم والشامل الذي يمهِّد للتطوُّر والسؤدُد والحرِّيَّة والكرامة لكلِّ شعوب المنطقة".
ويتوجَّه النِّداء إلى الحكومات والقادة السِّياسيين بخاصَّةٍ في العالم العربي، مطالبًا بالمساواة في المواطنة، إذ هي شرطٌ أساسيّ للعيش المشترك، ولعيش الشركة والشهادة في المجتمع العر بيّ ذي الأغلبيَّة المسلمة: " نحيِّيكم ونقدِّر الجهود التي تبذلونها من أجل الخير العام ونموِّ مجتمعاتنا. إنَّنا نرافقكم بصلواتنا، ونسأل الله أن يُلهِمَكم ويُسدِّد خطاكم. وإليكم نوجِّه كلمتنا بخصوص المساواة بين المواطنين. فالمسيحيُّون مواطنون أصليُّون وأصيلون يعيشون في الولاء التَّامّ لأوطانهم ويؤدُّون واجباتهم الوطنيَّة كاملة، فمن الطبيعيّ أن يتمتَّعوا بكامل حقوق المواطنة، ومنها حرِّيَّة المعتقد وحرِّيَّة العبادة، وحرِّيَّة التربية والتعليم واستخدام وسائل الإعلام".
كما يشجِّع النِّداء المسؤولين على السَّعي في سبيل السَّلام: " إنَّنا معكم في كلِّ الجهود التي تبذلونها من أجل تحقيق سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في المنطقة كلِّها، والحدِّ من السِّباق إلى التسلُّح، ممَّا يؤدِّي إلى الأمن والازدهار الاقتصادي، فيتوقَّف نزيف الهجرة التي تُفرِغ بلداننا من قواها الحيَّة. إنَّ السَّلام هبةٌ ثمينةٌ من الله للنَّاس. قال السَّيِّد المسيح: "طوبى لصانعي السَّلام فإنَّهم أبناء الله يُدعَون" (متى 5: 9)".
ويتوجَّه النِّداء إلى الأسرة الدُّوليَّة بعباراتٍ واضحة قاطعة بشأن القضيَّة الفلسطينيَّة. إنَّ هذا المقطع من النِّداء يُعبِّر عن رؤية البابا والفاتيكان والبطاركة والمطارنة وعموم الكنيسة الكاثوليكيَّة تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة ودعمها لحقِّ الشعب الفلسطينيّ: " إنَّنا نناشد الأسرة الدُّوليَّة ولا سيَّما منظَّمة الأمم المتَّحدة، أن تعمل جادَّةً من أجل تحقيق السَّلام العادل في المنطقة، وذلك بتطبيق قرارات مجلس الأمن، وباتخاذ ما يلزم من إجراءاتٍ قانونيَّة، لإنهاء الاحتلال في مختلف الأراضي العربيَّة".
"وهكذا يستطيع الشعب الفلسطيني أن يكون له وطنه السَّيِّد المستقلّ ليعيش فيه بكرامةٍ واستقرار. وتتمكَّن دولة إسرائيل من أن تنعم بالسَّلام والأمن داخل الحدود المعترف بها دوليًّا. وتجد مدينة القدس الصِّيغة العادلة للمحافظة على طابعها الخاص وعلى قداستها وتراثاتها الدِّينيَّة لكلٍّ من الأديان الثلاثة: اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام. كما نرجو أن يصير حل الدولتَين واقعًا حقيقيًّا ولا يبقى مجرَّد حلم".
ونصل إلى خاتمة هذا النِّداء بالبيان، الذي أتبنَّاه كبطريرك وأتوجَّه بهذا النَّصِّ الجميل المشجِّع على الشركة والشهادة، إلى قرَّاء هذه الرِّسالة، وبنوعٍ خاصّ إلى إخوتي أصحاب السِّيادة أعضاء سينودسنا المقدَّس، والجمعيَّات الرَّهبانيَّة الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة، والكهنة والرُّهبان والرَّاهبات، وجميع أبنائنا في كلِّ مكان، وقد جاء فيه: "وفي الختام. أيُّها الأبناء والإخوة الأعزَّاء في جميع كنائسنا. نقول لكم مع الرَّسول يوحنَّا في رسالته الأولى: "إنَّ ما كان في البدء، ما سمعناه وما رأيناه بأعيننا، وما تأمَّلنا فيه، وما لمسته أيدينا بشأن كلمة الحياة، لأنَّ الحياة قد ظهرت وقد رأيناها ونشهد لها ونبشِّركم بهذه الحياة الأبديَّة التي كانت لدى الآب وظهرت لنا، ما رأيناه وسمعناه به نبشِّركم، لتكون لكم أنتم أيضًا شركةٌ معنا. وشركتنا إنَّما هي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يوحنا 1:1-3)".
"هذه الحياة الإلهيَّة التي ظهرت للرُّسل منذ ألفَيّ سنة في شخص ربِّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح، والتي عاشت منها الكنيسة وشهدت لها على مدى ألفَيّ سنة من تاريخها، ستبقى على الدَّوام حياة كنائسنا في الشرق الأوسط موضوع شهادتنا. وسيبقى سندنا وعدَ الرَّبّ لنا: "ها أنا معكم كلَّ الأيَّام إلى انقضاء الدَّهر" (متَّى 28: 20). سنتابع معًا طريقنا في الرَّجاء، "والرَّجاء لا يخيِّب صاحبه، لأنَّ محبَّة الله أُفيضَت في قلوبنا بالرُّوح القدس الذي وُهِبَ لنا" (روما 5: 5)".
وسنبقى نعيش الشركة والشهادة في حياتنا وفي مجتمعنا، ونكون فيه نورًا وملحًا وخميرة!





 
توجيهاتٌ عمليَّة
الخطَّة الخمسيَّة
 

أصِلُ في هذه الرِّسالة إلى الشقِّ العمليّ فيما يتعلَّق بممارسة الشركة والشهادة. وهذا ما أوصى به السِّينودس في التوصية 43، والتي تحمل عنوان: متابعة السِّينودس، حيث نقرأ: "إنّ الكنائس التي شاركت في السينودس مدعوّة لأن تلجأ إلى الوسائل الكفيلة بتأمين متابعة السينودس، وذلك بالتعاون مع مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق، والمؤسّسات الرسميّة في الكنائس المعنيّة. وعليها أيضًا أن تُفعّل مشاركة الكهنة والخبراء من العلمانيّين والرهبان".
إنطلاقًا من هذه التوصية وتلبيةً لواجبي كراعٍ وبطريرك وأب ورأس لكنيستنا البطريركيَّة الرُّوميَّة الملكيَّة الكاثوليكيَّة، حاولتُ أن أجمل توصيات السِّينودس، وتوجُّهاته في مشروعٍ متكامل، أطلقتُ عليه اسم الخطَّة الخمسيَّة. وقد عرضته على سينودس كنيستنا في حزيران 2011. وأعتبره خطةً مشتركة تؤلِّف وثيقةً توجيهيَّةً عمليَّة لعملنا الرَّعويّ وخدمتنا الكنسيَّة على اختلاف وتنوُّع أوجهها، بحيث نستوحي من هذه الخطَّة في بنودها المتنوِّعة، أمورًا كثيرة عمليَّة مفيدة لكي نعيش الشركة والشهادة في أبرشيَّاتنا ورعايانا وفي مجتمعنا. وذلك على مدى خمس سنواتٍ مقبلة. وأقترح أن يُعقَد مجمعٌ أبرشيّ في كلِّ أبرشيَّةٍ في البلاد العربيَّة وبلاد الانتشار حول المواضيع المطروحة في الخطَّة. وهكذا يبقى السِّينودس حيًّا فعَّالاً في كنيستنا.
أكتفي بالإشارة إلى هذه الخطَّة الخمسيَّة. وأضعها كملحق لرسالتي الميلاديَّة لهذا العام.
كما أنَّني أعتبر أنَّ اعتماد هذه الخطَّة الخمسيَّة هو تطبيقٌ عمليّ لموضوع السِّينودس العام الذي أشرتُ إليه في مطلع هذه الرِّسالة، وموضوعه: "بشرى الإنجيل المتجدِّدة".
الوثيقة الأولى الإعداديَّة للسِّينودس حول "بشرى الإنجيل المتجدِّدة" تنتهي بنصٍّ جميل، أقتطفُ منه ما يلي:
"إنَّ السَّيِّد المسيح له المجد بميلاده المجيد ومجيئه إلينا، أعطانا الحياة الإلهيَّة التي تُغيِّر وجه الأرض، مجدِّدًا العالم" (الرُّؤيا 21: 5). "فنحن لسنا فقط موضوع الخلاص الذي أُعطي لنا، بل نحن أيضًا مبشِّرون بالخلاص وشهودٌ له" (رقم 3 من المقطع الأوَّل).
"بشرى الإنجيل المتجدِّدة لا تعني إنجيلاً جديدًا، "لأنَّ يسوع المسيح هوَ هوَ أمسِ واليوم وإلى الأبد" (عبرانيُّون 13: 8). إنَّ بشرى الإنجيل المتجدِّدة تعني: جوابًا مناسبًا متوافقًا مع علامات الأزمنة، ومع حاجات النَّاس والشعوب اليوم، ومع كلِّ المشاهد التي ترسُمُ الثقافة التي من خلالها يُمكننا أن نُعبِّر عن هويَّتنا ونكتشف معنى وجودنا. بشرى الإنجيل المتجدِّدة تعني تنميةَ ثقافةٍ أكثرَ عمقًا وتأصُّلاً في الإنجيل. وتعني اكتشاف الإنسان الجديد الكامن فينا بالرُّوح القدس الذي أُعطي لنا من الآب بيسوع المسيح" (رقم 23 من المقطع الثالث).
"ولنعمل على حمل بشرى الإنجيل المتجدِّدة بحماسة! ولنختبر الفرح الحلو والمنعش، فرحَ مَن يحمل البشرى، ولو شعر بأنَّه يزرع بالدُّموع" (مزمور 126، 6)".
"وكما قال البابا بولس السَّادس: "فليشعر عالمنا الذي يفتِّش اليوم، تارةً بقلق وتارةً برجاء، أنَّ مَن يحمل  إليه البشرى الجميلة الطَّيِّبة، ليسوا مبشِّرين تعساء محبَطين، بلا صبر، قلقين. ولكنَّهم بالحريّ خدَّام الإنجيل، تُشعُّ حياتهم بالحرارة، قبلوا هم أوَّلاً في قلوبهم فرح المسيح، ومستعدُّون أن يضحُّوا بحياتهم لأجل أن تنتشر بشرى الملكوت، ولأجل أن تكون الكنيسة مزروعةً في العالم".

 
الختام
في ختام هذه الرِّسالة أتوجَّه بمحبَّةٍ وصداقةٍ وودٍّ إلى إخوتي الأساقفة أعضاء السِّينودس المقدَّس، وإلى إخوتي وأبنائي الكهنة، والرُّهبان والرَّاهبات، وجميع المؤمنين والمؤمنات من أبناء كنيستنا المقدَّسة، في هذه الأيَّام العصيبة التي يمرُّ بها عالمنا العربيّ، لأقول لهم مرَّةً أخرى كما أقول دائمًا: "لا تخافوا" إنَّني أعتبر أن الخوف يأتي بسبب نقصٍ في الإيمان والمحبَّة. وإذا كنَّا نحبُّ بعضنا بعضًا فلا نخاف. إذا كان إيماننا قويًّا فلا نخاف، بالرَّغم من وجود أسبابٍ للخوف. وأقول مردِّدًا ما قاله البابا بندكتوس السَّادس عشر: "حيث الله فهناك المستقبل". ولا مستقبل بدون الله.
هذه هي أمانينا، التي نوجِّهها إلى جميع أولادنا بخاصَّةٍ أولئك المتألِّمين في سورية والعراق وفلسطين ومصر وليبيا وباقي البلدان العربيَّة، وفي لبنان حيث لنا حضورٌ مميَّز... وفي كلِّ مكانٍ ولكلِّ إنسان.
عيد ميلاد سعيد ومجيد! وسنة جديدة التي نأمل أن تكون حقًّا ربيعًا لعالمنا العربيّ، ربيعٌ هو المستقبل، لا بل هو المسيح المتجسِّد لأجلنا، الخليقة الجديدة، لكي يجدِّد الأرض.

   مع محبَّتي وبرَكَتي



+ غريغوريوس الثّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندريّة وأورشليم
للرُّوم الملَكيِّين الكاثوليك