صاحب الغبطة يوسف
كلمة البطريرك غريغوريوس الثالث لصاحب السمو البابا فرانسيس
كلمة صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثالث إلى قداسة البابا فرنسيس
30 تشرين الثاني 2013
الأب الأقدس،
الله حاضر، حيث تكون المحبة ! محبة المسيح جمعتنا وجعلتنا واحدا!
هذا هو النشيد الذي يعبّر عن وعد المسيح: "حيث اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون حاضرًا معهم" (متى 18، 20)
وهو أيضًا اللقب الذي أعطاه القديس أغناطيوس الأنطاكي لروما: الكنيسة "التي تترأس بالمحبة".
كل هذه الأمور بدأت تتحقق وبطريقة ناصعة منذ اللحظة الأولى لتوليكم السدة الحبرية. "الله محبة" يقول الإنجيلي اللاهوتي يوحنا (1 يوحنا 4، 8). ونحن نقول عن قداستكم "فرنسيس محبة". نقرأ في صلاة غروب عيد رقاد القديس يوحنا اللاهوتي هذه الجملة الجميلة: " : “Merveille qui dépasse notre esprit, affaire concernant les sages: Celui qui était plein d’amour fut aussi comblé de théologie!”" إنه لعجب كبير فإن الذي كان ممتلئا من المحبة أصبح ممتلئا من التكلم باللاهوت.
إنني أعتبر أن هذا المديح هو تعبير فصيح ودقيق عن خدمتكم البطرسية يا صاحب القداسة: أنتم ممتلؤون محبة، ولهذا أنتم لاهوتي كبير!
إنه لفرح عظيم لكنيستنا البطريركية الأنطاكية أن نحيي قداستكم في هذا اليوم.مع جميع أخوتي المطارنة الأحباء ونحمل لكم السلام البنوي المخلص من كهنتنا ومن شمامستنا، من رهباننا وراهباتنا، ومن العلمانيين، الرجال والنساء الملتزمين بجوار رعاتهم في مختلف أشكال الرسالات وخدمة الفقير، في الجامعات، في المدارس، في المستشفيات، في المياتم، في فرق الشبيبة...
كنيستنا تفتخر بأنها في شركة كاملة مع كرسي القديس بطرس ومع قداستكم. لقد كنا دائمًا أوفياء لهذه الشركة التي كلفتنا مرحلة مشابهة للجماعة الأولى في الدياميس.
لكنيستنا ثلاث خاصيات:
1- نحن كنيسة في شركة كاملة مع كنيسة روما، أمينة لتقليدها الشرقي، وعلى علاقة طيبة مع شقيقتها الكنيسة الأرثوذكسية في البطريركية الأنطاكية والإسكندرية والمقدسية.
2- نحن كنيسة عربية وذات جذور وأصول عربية
3- نحن كنيسة موجودة في مجتمع ذي أغلبية مسلمة
وهذا ما دفعني إلى اللجوء إلى تعبير خاص لهذا الواقع، وهو ما قد يفهم خطأ. نحن كنيسة العرب (وليس فقط كنيسة عربية) وكنيسة الإسلام، وأعني بهذا كنيسة مرتبطة بالإسلام من حيث تاريخها، حاضرها ومستقبلها. نحن كنيسة عربية مع ولأجل العرب، وكنيسة الإسلام مع ولأجل الإسلام. ولكوننا كنيسة في الشرق الأوسط، لدينا إذًا مسؤولية خاصّة تجاه هذا العالم الذي هو عالمنا. هنا نعيش مسيحييتنا منذ ألفي عام. والسينودس لأجل الشرق الأوسط، كما الإرشاد الرسولي كنيسة الشرق الأوسط لسلفكم قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، عرّف كنيستنا على أنها كنيسة الشركة والشهادة.
إن كنيستنا حاضرة في كل بلدان الشرق الأوسط، بأعداد متفاوتة، وفي بلدان الانتشار. وهذا ما يشرح أيضًا الخصوصيات التي تكلمت عنها.
لقد تعرفتم على كنيستنا في بلاد الانتشار في أميريكا اللاتينية، خصوصًا في بلدكم الأرجنتين, وقد كان لي الشرف أن أزور قداستكم في بوينس آيرس في 26 آب 2010. أنتم تعرفون وتحبون هذه الكنيسة الشرقية، في غنى نور الشرق، في طقوسها، في روحانيتها، في لاهوتها وكل تقاليدها.
إن هذه الكنيسة التي تحبون هي اليوم كنيسة تعاني، إنها في الألم. وأنتم تذكرون ذالك دائمًا. وتذكرون خصوصًا سوريا التي تسمونها "الحبيبة" حيث يوجد كرسي بطريركيتنا الأنطاكية.
بالنسبة لهذه الكنيسة وفي الظروف التي تمر بها، أنتم سمعان القيرواني، الذي يحمل صليبها معها، وبمزيد من المحبة والعطف. بالنسبة لهذه الكنيسة الشرقية، خصوصًا في سوريا، أنتم كالمسيح الذي يهدّئ العاصفة في بحيرة طبرية.
وأنتم على مثال البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، الذي أسقط جدار برلين بصلواته ومداخلاته الجريئة. أنتم أيضًا، أيها الأب الأقدس، صنعتم معجزة بدعوتكم المسيحيين والعالم أجمع للصلاة والصوم يوم 7 ايلول الماضي. لقد كان ذلك نقطة تحوّل في مسار الأزمة السورية، وحتى في النظرة العالمية السياسية لهذه الأزمة. لقد تغيّر العالم بعد 7 أيلول 2013.
نحن على يقين أنكم تهيئون مبادرات سوف تغير وجه العالم، خصوصًا في الشرق الأوسط، وفي العالم أجمع.
نعم! نحن ننتظر مبادرات تقود إلى حل النزاع العربي-الفلسطيني-الإسرائيلي، وتضع الدعائم لسلام عادل شامل و مستمر في الشرق الأوسط، انطلاقًا من الأرض المقدسة ومن القدس، مدينة السلام هذه التي هي أمّنا. أنتم من سيسقط الجدار الذي مع الأسف لا يفصل فقط اليهود عن الفلسطينيين، بل أيضًا البلاد العربية فيما بينها. وهذا ما يهدد العيش المشترك، الحوار الإسلامي المسيحي والقيم الإنسانية. إن حل هذا الصراع، الذي يدوم منذ 65 سنة، يفتح الأبواب لحل 50 بالمئة من مشاكل الشرق الأوسط ويضمن الوجود المسيحي، هذا الوجود المهم جدًّا للشركة والشهادة.
الأب الأقدس.
الكثير من أبنائنا هاجروا الشرق الأوسط. الكثيرون يسعون للهجرة. ونحن نقوم بكل جهد لمساعدتهم على البقاء. في الواقع، الكنيسة تقوم بنشاطات جبارة لتؤمن الحدّ الأدتى من المساعدات الإنسانية. نحن نشكر قداستكم، ومجمع الكنائس الشرقية وباقي المؤسسات الذين ساعدونا في هذا المجال.
نحن نؤكد لكم، على الرغم من الأوضاع المأساوية التي نعيشها منذ ثلاث سنوات، أننا نريد أن نبقى وأن نساعد أبناءنا على البقاء.
لقد حركتم مشاعرنا عندما طلبتم منا أن لانترك شعلة الرجاء تنطفئ في قلوبنا. ونحن نريد، بصلواتكم وبمساعدتكم، أن نبقى على هذه الأرض المباركة، مهد المسيحية. نريد أن نصبح شهداء على هذه الأرض حتى الدم كما هي حال بعض أبنائنا، ثلاثة منهم من معلولا: ميشيل تعلب، مطانيوس تعلب، وسركيس زخم.
الأب الأقدس،
هؤلاء هم شهداء حقيقيون وقد كان طلب منهم أن يكفروا بإيمانهم لكنهم رفضوا بكل فخر. ثلاثة آخرون ساوموا وأشهروا إسلامهم لكنهم عادوا إلى إيمان آبائهم لاحقًا.
الأب الأقدس،
ساعدونا لنبقى في الشرق الأوسط من حيث يشرق النور. لقد نشرت مؤخرًا شعارًا مثلّثًا لكنيستنا الملكية الرومية الكاثوليكية وهو عبارة عن التزام أحب أن أردده أمام حضرتكم باسمي وباسمي كنيستي:
1- علينا أن نبقى معًا ، مسيحيين ومسلمين، لنكون شهودا للإنجيل ولنبني معًا، مسيحيين ومسلمين، عالمًا ومستقبلاً أفضل للأجيال الصاعدة.
2- يمكننا أن نبقى معًا، مسيحيين ومسلمين، لنكون شهودا للإنجيل ولنبني معًا، مسيحيين ومسلمين، عالمًا ومستقبلاً أفضل للأجيال الصاعدة.
3- نريد أن نبقى معًا، مسيحيين ومسلمين، لنكون شهودا للإنجيل ولنبني معًا، مسيحيين ومسلمين، عالمًا ومستقبلاً أفضل للأجيال الصاعدة.
أيها الأب الأقدس،
نريد أن نبقى في هذا الشرق الأوسط لنجيب على دعوة يسوع التي يكررها لنا (وأنتم مازلتم ترددونها): "لا تخف أيها القطيع الصغير" (لوقا 12، 32)، وهذا لأنه لدينا مهمة كبيرة تجاه القطيع الكبير. لا تخافوا، يقول لنا المسيح: "لأنني معكم دائمًا وحتى انقضاء الدهر" (متى 28، 20).
نعم، نريد أن نبقى وأن نكون كما طلب منّا يسوع نورًا وملحًا وخميرةً (متى 5، 13-14).
أنتم دائمًا في صلواتنا ونطلب منكم صلواتكم وبركتكم.
إننا نحبكم يا قداسة البابا فرنسيس.
غريغوريوس الثالث
بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم